Test Footer

مرئيات
‏إظهار الرسائل ذات التسميات خاص. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات خاص. إظهار كافة الرسائل

لمتابعة مستجدات الحركة الأزوادية (الطوارق)

Written By آفر برس on الأحد، 1 أبريل 2012 | الأحد, أبريل 01, 2012

الأحد، 1 أبريل 2012

Read More | علق على هذا الموضوع

طرح غريب: "الأصول الأندلسية للأمازيغ"

Written By آفر برس on الأربعاء، 21 مارس 2012 | الأربعاء, مارس 21, 2012

الأربعاء، 21 مارس 2012

صادفت موضوعا غريبا وشيقا لغرابته يتساءل بشكل مثير هل أصل الأمازيغ من الأندلس (الكاتب يستعمل اسم البربر) وصاحب المقال هو رمزي رويغي (Email: rouighi@email.usc.edu) أستاذ مساعد من جامعة جنوب كاليفورنيا الأمريكية شعبة التاريخ والمقال صادر في مجلة دورية تعنى بالتاريخ الوسيط لشبه الجزيرة الأيبرية.
يشير الكاتب بداية لعنوانه بأن السؤال قد يكون غريبا "فكيف يكون أصل الأمازيغ من الأندلس في حين يعرف الجميع أنهم السكان الأصليون لشمال غرب افريقيا؟".


يجد الكاتب أن افتراض استمرارية الأمازيغ منذ أول هيكل عظمي وجد بافريقيا أمر متجاوز، وبعدها يضع الخط العريض لموضوعه وهو فهم كيفية نشأة مفهوم البربر كتصنيف يضم عدة مجموعات شمال غرب إفريقية تحت مظلة واحدة يسميها الصنف البربر.


أول حجة يسوقها الكاتب لنسف التصور السائد عن أصل الأمازيغ هي إشارة مؤلفي كتب "البربر" لكون اسم البربر لم يظهر إلا مع الكتاب العرب، وإنه اذا كان اصطلاح البرابرة منتشرا قبلهم فإن الاصطلاح أطلق على مجموعات ضخمة حول البحر المتوسط، وبالتالي فإن الحديث عن تواجد أمازيغي/بربري سابق للغزو العربي هو أمر خارج التموضع الزمني الصحيح. ثم يدلل على أن مفهوم شمال افريقيا قبل العرب غير موجود لأن اسم المغرب لا ينطبق على ذلك الحيز الجغرافي لأنه مثلا يشمل الأندلس وتبعا لذلك فإن المسميات الكلاسيكية من موريطانيا ونوميديا وليبيا لا تتطابق ايضا مع مصطلح المغرب. ويضيف أن العرب أطلقوا اسم البربر على القوط الغربيين مثلما اقترح خواكين بيرميخو حيث وصف عمله بالرائد. لكنه يسترسل بعد ذلك ليقرر أن اسم البربر اطلق في الأندلس على أحد العناصر المسلمة التي ناصرت الأمويين، وبعدها مباشرة يردف بأن تصنيف البربر اسم اطلق عى أوائل الفاتحين المسلمين. مما يبرز خلطا كبيرا في الأفكار.

أما في المغرب فكان البربر اصطلاحا عاما يطلق على المجموعات الهامشية خارج المدن التي تتركز فيها الأسر الحاكمة، وأن الأفارقة الغير العرب الذين ناصروا تلك الأسر لم يطلق عليهم اسم البربر لأنهم عٌرفوا بأسماء قبائلهم الخاصة كهوارة وزناتة وأن إلحاقهم بالبربر أمر طارئ.

وبعد سرد لكتاب عرب واستعمالهم لكلمة البربر لينتقل إلى فرع البربر والمور. في هذا الجزء يبين حسب مزاجه وطريقته أن اسم المور كان يطلق على الشمال أفارقة وغيرهم ويعطي ما رآه دليلا واضحا على ذلك حين يشير لجون بيكلارو مدعيا ان اعتبار الجرامنت والماكوريتاي مورا، يثبت بجلاء أن المور ليسوا شمال غرب أفارقة و"بالتأكيد" ليسوا السكان الأصليين لشمال افريقيا.

.
The Andalusi origins of the Berbers
Read More | علق على هذا الموضوع (1)

النشيد اللبناني منقول عن نشيد جمهورية الريف

Written By آفر برس on الاثنين، 12 مارس 2012 | الاثنين, مارس 12, 2012

الاثنين، 12 مارس 2012

Read More | علق على هذا الموضوع (1)

يتامى العروبة العسكرية أو "اتحاد عرب" المغرب الكبير

Written By آفر برس on الخميس، 1 مارس 2012 | الخميس, مارس 01, 2012

الخميس، 1 مارس 2012

أحمد عصيد - هسبريس
عمد بعض الخبراء في تشريح الجثث من دعاة التعريب المطلق هذه الأيام إلى إخراج مومياء ما كان يسمى بـ "المغرب العربي" من الثلاجة، في مندبة جماعية علا فيها نواحهم وكثر عويلهم ضدّ وزير الخارجية المغربي، الذي اقترف إثم احترام الدستور المغربي، فأبى بنزاهته الفكرية والسياسية وأمانته المعهودة فيه إلا أن يقترح على نظرائه إيقاف الميز الصارخ الذي تتضمنه عبارة "المغرب العربي" الإختزالية، والتي تذكرنا بمشروع حمل منذ البداية أحد أسباب وفاته في تسميته.
لقد كان ملك المغرب الحسن الثاني على وعي بخطإ التسمية المقترحة عند تأسيس الإتحاد المغاربي، وأعلن عن تحفظه في خطاب ألقاه في مناسبة التأسيس، غير أنّ الهذيان القومي لـ "ملك ملوك إفريقيا" العقيد معمر القذّافي غير المأسوف عليه، (والذي هدّد آنذاك بالإنسحاب من الإتحاد المغاربي إذا لم يسمّ بـ "العربي") جعل رؤساء البلدان المغاربية يرضخون للأمر الواقع، في الوقت الذي كان فيه من الممكن الإحتكام إلى العقل والتاريخ في وضع التسمية المناسبة لمشروع وحدة البلدان المغاربية التي تتميّز بتنوع أصول سكانها وتعدّد مكوناتها الثقافية واللغوية والحضارية، احتراما للجميع، وتجنبا لإثارة النعرات التي تفرّق أكثر مما تسمح بالتوحّد والتعاون.
و قد مضت السنوات دون أن يتحقّق شيء من وحدة المغاربيين الذين انخرطوا عكس ذلك في صراعات تعصف بأبسط شروط التعاون التي يحتمها الجوار والمصالح المشتركة، فإصرار الجزائر على السعي إلى تنصيب "الجمهورية العربية الصحراوية" (كذا!) في جنوب المغرب، وتمادي القذافي ـ باسم العروبة ـ في بهلوانياته الغرائبية ودسائسه التي كان يوزعها ذات اليمين وذات اليسار، وتواجد موريطانيا بين انقلاب وانقلاب على فوهة بركان لا يخمد، وتسلط حكم دولة البوليس في تونس، جعلت الإتحاد المغاربي حلما للشعوب وخطبا للحكام بدون أيّ محتوى واقعي .
لا شكّ أنّ التوحّد الإستراتيجي بمفهومه الحديث والعصري يكتسي أهمية بالغة بالنسبة للبلدان الخمسة لو توفرت العوامل المساعدة، السياسية منها والثقافية، غير أنه ينبغي البدء بإزالة كلّ أنواع العراقيل التي تحول دون التقارب المطلوب، وأولها عائق التسمية التي تجعل الإتحاد المأمول يتحوّل إلى مجرد اتحاد طائفي لأقلية من "العرب" المتواجدين بالمغارب دون سواهم، ذلك أنّ من غير المنطقي اعتماد تسمية تأخذ بعين الإعتبار مكونا واحدا من مكونات البلدان المغاربية كأساس للتوحد والتعاون، وحتى يتّضح المشكل أكثر لنتصور أنّ البلدان الأوروبية، التي اعتمدت الإطار الجغرافي في تسمية اتحادها، أطلقت عليه إسم "الإتحاد الجرماني الأوروبي" أو "الإتحاد الأوروبي الأنجلوساكسوني" كيف ستكون ردود فعل البلدان والشعوب التي لا تجد نفسها في التسمية، إنّ الخطأ الذي وقع فيه مؤسسو الإتحاد المغاربي هو أنهم انساقوا وراء أوهام تدلّ على انعدام النضج السياسي لبعض أطراف الإتحاد، أولائك الذين ما زالوا لم ينتقلوا بوعيهم من المستوى العشائري والطائفي القديم إلى مستوى الوعي الإستراتيجي الحديث.
إنّ الإطار الثقافي الهوياتي المشترك بين البلدان المغاربية هو إطار أمازيغي عربي إفريقي إسلامي متوسطي، ومن اللازم أخذ هذه المكونات ـ التي لا تقبل الإختزال ـ بعين الإعتبار، لأنها ستكون جميعها إطارا للتبادل الثقافي والتفاعل الحضاري بين البلدان المغاربية في ظلّ الإتحاد، وهو ما يعطي أسسا هوياتية متينة و ديمقراطية للتعاون الإقتصادي المطلوب، ومن تمّ فالتسمية الطبيعية والمنطقية لهذا الإتحاد هي "اتحاد البلدان المغاربية" أو "اتحاد المغرب الكبير"، أو "الإتحاد المغاربي"، وقد انتهى الدستور المغربي إلى تبني هذه التسمية الأخيرة رسميا نزولا عند مطالب الأمازيغ الذين ناضلوا من أجل حقوقهم على مدى نصف قرن، بينما ما زال فلول من دعاة التعريب المطلق من المواطنين المغاربة، يحلمون بوحدة في إطار العروبة الخالصة التي لا تشوبها شائبة من عناصر التنوع الأخرى ، التي ليست سوى هويات الشعوب المغاربية العميقة والمتجذرة، دون أن يزحزح من جمودهم العقائدي الإنهيار المتتالي لأنظمة الرّعب العسكرية التي قامت كلها على خطاب التعريب المطلق وعلى أساطير "الشعب العربي" و"الوطن العربي" و"الأمة العربية" .
لم يكن قد تبقى بعد سقوط العسكري الدموي صدام حسين ـ الذي كان يوزع كتب البعث ومجلاته بأبخس الأثمان بالمغرب، وكذا بطائق الإنتماء إلى "حزب البعث العربي الإشتراكي" التي حملها مثقفون مغاربة باعوا كرامتهم ورفعوا الولاء لنظام أجنبي دكتاتوري ـ لم يكن قد تبقى من الأنظمة القومية غير نظام البعث السوري ونظام القذافي، وبينما أنكر الأول وجود الأكراد الذين ظلوا بلا بطائق جنسية لمدة 52 سنة، وملأ السجون والمنافي والمقابر الجماعية بمعارضيه، كان الثاني يوزع أموال النفط الليبي بالمغرب عبر ما كان يسمى "المجلس القومي للثقافة العربية"، والذي كان يؤدي مبلغ 3000 درهم لكل مغربي كتب مقالا يكرّس إيديولوجيا القومية العربية المتقادمة، ويهجو أمازيغ المغرب أو يعمل على تحقير اللغة الأمازيغية وثقافتها. غير أن النظام المغربي اختار من باب الحفاظ على التوازنات الداخلية إمساك العصا من الوسط، والسعي إلى تكريس خطاب "المصالحة" بعد رحيل الحسن الثاني، وهي سياسة بغضّ النظر عن الأساليب المعتمدة لإرسائها، كانت مناقضة تماما لأساليب القتل والتشريد التي اعتمدتها أنظمة القومية العربية، حيث بدأ القوميون يفقدون معاقلهم داخل الدولة بالتدريج، إلى أن طمّ الوادي على القرى باشتعال الثورات الشعبية التي أطاحت بعروش حكام الإستبداد، وجرفت معها شعارات مرحلة بكاملها، وبقي الشعب السوري يقاوم حتى الآن نظام البعث السوري المتهالك بالتدريج.
وحتى لا يُضيع إخواننا المغاربة، من الذين أصابتهم لوثة العروبة المطلقة، المزيد من وقتهم الثمين، في قضية سيخسرونها بالتأكيد كما خسروا التي من قبلها، مما قد يزيد من شقائهم ومعاناتهم، نذكرهم بما يلي:
ـ أن وزير الخارجية المغربي الدكتور سعد الدين العثماني، قد قام بواجبه في احترام تام للدستور المغربي الذي لم يعد يتضمن عبارة "المغرب العربي"، وأنه قد عبّر في اقتراحه عن روح المرحلة التي نجتازها والتي عنوانها "الكرامة للجميع"، و ليس للعرب وحدهم.
ـ أنه في موقفه لم يكن يصدر عن نزعة عرقية أو قومية بل عن حسّ وطني يعكس التطورات الإيجابية في بلده السائر في طريق التعدّدية الديمقراطية واحترام التنوع.
ـ أن على المسؤولين المغاربة والمنابر الإعلامية المغربية أن تسير على نهج وزير الخارجية المغربي، فتضع حدا للميز الذي تكرسه بعض العبارات والمصطلحات الإقصائية المستعملة.
ـ أن البلدان المغاربية الأخرى محكومة بوضع دساتيرها الجديدة وفق روح المرحلة، مما يحتم مراجعة كل مفاهيم الميز والإقصاء والعنصرية.
ـ أنّ الإعتقاد في أن الوحدة والتوحيد لا يمكن أن يتمّا إلا على أساس العروبة وحدها وهمٌ مُزمن أشبه بالمرض النفسي، وعلى أصحابه أن يتحرّروا من هذا الوهم ومن مشاعر الكراهية، بقبول الآخر واحترام أسس التعايش المشترك، والوعي بالمقومات العقلانية والموضوعية للوحدة الحقيقية.
ـ أن إيديولوجيا "العروبة" لم تنجح قط في توطيد وحدة أو إقامة دولة ديمقراطية واحدة، وتاريخ القرن العشرين درس كبير لمن لا يعتبر.
ـ أنّ الأمازيغية ليست شأنا مغربيا فقط، بل هي شأن مغاربي وشمال إفريقي أيضا، فها هم أمازيغ ليبيا وتونس ينهضون بعد عقود من إرهاب الأنظمة القمعية، ليتنفسوا أخيرا هواء الحرية، فمن يستطيع إرغامهم على العودة إلى ظلمات الميز من جديد ؟
ـ أن تسمية "المغرب العربي" لا تتعدّى الإعلان عن اتحاد "عرب المغارب"، وهو اتحاد لن يكون أوفر حظّا من اتحادات "عرب المشارق" التي يعرف الجميع ما آلت إليه.
Read More | علق على هذا الموضوع (3)

ثورة أمازيغية تهدد ليبيا؟

Written By آفر برس on السبت، 17 ديسمبر 2011 | السبت, ديسمبر 17, 2011

السبت، 17 ديسمبر 2011

نشرت الجمعية الألمانية للدفاع عن الشعوب المهددة، المتواجدة بألمانيا في جوتنجن، وهي منظمة عالمية تهتم بحقوق الأنسان عالميا خاصة الأقليات الإثنية والدينية وتأتي في المرتبة الثانية أوروبيا في مجال حقوق الأنسان مقالا حذرت فيه من احتمال تفجر ثورة أمازيغية في ليبيا بعدما تنكرت القيادة الليبية الحالية لجهود وتضحيات الأمازيغ الليبيين في الثورة ضد نظام القذافي
 مشيرة إلى تجاهل الحقوق الأساسية للأقليات الغير العربية والاستمرار في عملية التعريب محذرة من عودة السياسة الليبية إلى سابق عهدها، كما ذكرت المنظمة بالمظاهرات الأمازيغية المستمرة للمطالبة بحقوقهم، بالأضافة للاشتباكات المسلحة بين الميليشيات الأمازيغية وبين الجيش الوطني من جهة وميليشيات عربية من جهة أخرى. كما اعتبرت المنظمة أن الهجوم على موكب قائد الجيش البارز خليفة حفتر والذي خلف قتيلين في تبادل إطلاق النار بين الطرفين، تعبيرا عن رفض الأمازيغ للاستعلاء العسكري حسب خبير المنظمة في الشؤون الأفريقية أولريخ ديليوس. كما رأت المنظمة أن الأمازيغ من جبل نفوسة غرب ليبيا لعبوا دورا هاما في إسقاط القذافي، كما لعبت دورا بارزا في تحرير زوارة ومصراتة والزنتان. لكن وبالرغم من تشكيلهم لعٌشر سكان ليبيا فإن البعض ينظر إليهم باعتبارهم أعداء للعرب ومناصرين لأسرائيل. وأنه للآن فإن القيادة الليبية لا تملك الرغبة في الاعتراف بالحقوق الأمازيغية.

المقال الأصلي على موقع المنظمة:
http://www.gfbv.de/pressemit.php?id=2964
Read More | علق على هذا الموضوع (4)

الأمازيغية بعد القذافي

Written By آفر برس on الجمعة، 21 أكتوبر 2011 | الجمعة, أكتوبر 21, 2011

الجمعة، 21 أكتوبر 2011

لا جدال في أن استبداد القذافي طال من بين ما طال الأمازيغية حيث سماها ما سماها وقرر فيها ما قرر، واتٌّهم بتصفية المناضلين الأمازيغ من أمثال سيفاو، ومنع الأسماء الأمازيغية لأنها ليست عربية بالرغم من أن الأمازيغية لغة عربية قديمة، ومنع الغناء الأمازيغي وحتى الى يوم الانقلاب الشعبي المدعوم غربيا كان هناك معتقلون أمازيغ لانتاج موسيقي أو لقاء بل واعتقاله [أمنه] لباحثين مغاربة بتهمة التجسس لصالح اسرائيل ونفوذه على الطوارق المسيسين [بلاغ تجمع طارقي يزعم أنه عربي]...
بالرغم من ذلك كان هو الرئيس الأكثر حديثا عن الأمازيغية، بل بلغت عشوائيته الخطابية الى امكانيته قلب عروبة ليبيا إلى دولة أمازيغية في نقاش على الجزيرة بحضور فهمي هويدي الذي لم يكن ملاينا له.
أما اليوم -أو بالأمس حرفيا- فقد بثت القنوات الفضائية نهايته (وبهذه المناسبة أشجب كيفية معاملته، نقول نعم طاغية يستحق المحاكمة، لكن كانت المعاملة التي تعرض لها معاملة غير مضبوطة.)

لكن ماذا عن المستقبل الأمازيغي في ليبيا؟
تعتبر المناطق الأمازيغية من المناطق الغير راضية عن الاستبداد القذافي سواء بسبب منع ثقافتهم ولغتهم أو المذهب الأباضي في جبل نفوسة. وما إن أمكنهم الانتفاض حتى فعلوا بين اشقائهم العرب، وخلال المواجهات شاهدنا ثوارا يؤكدون على هويتهم الأمازيغية وبعضهم دفن في أعلام أمازيغية نزولا عند رغبتهم حسبما قيل. وما إن سقطت طرابلس حتى أعلن الأمازيغ عن أول مؤتمرهم في ليبيا، كما وازى ذلك انتخاب ليبي رئيسا للكونغرس العالمي الأمازيغي، وكان المجلس الانتقالي الليبي قد وضع اسمه بحروف تيفيناغ الأمازيغية بجانب العربية، أما الدستور المؤقت فقرر أن اللغة العربية هي الرسمية وأنه يكفل الحقوق اللغوية للأمازيغ والطوارق والتبو. وهذا الدستور أقرب إلى الواقع المفترض مستقبلا.

كما لفت المؤتمر الأمازيغي الليبي، فأن الطوارق أمازيغ، فما الدافع وراء هذا الفصل؟ لو أخذنا مثال ابراهيم الكوني الطارقي فهو يقول أنه أمازيغي وغيره كثر. وما هي الحقوق التي يكفلها الدستور؟ حق الحديث أم حق الدراسة بها والمحادثة بها في المؤسسات الرسمية كالأعلام والمحاضر القضائية والمرافعات؟ ثم كما لفت أحد المداخلين في المؤتمر الأمازيغي الليبي الذي أُبلغ أن تلك المادة عرضت على التصويت، هل سيكون تناول الحقوق الأمازيغية خاضعا لمنطق الأغلبية أو المزاج العام أم أن حقوق الأقليات حق لا يعني الأغلبية؟

ما من شك أن نهاية القذافي تعني تحررا وحيوية أكبر بكثير عما قبله، فعلى الصعيد الشمال افريقي تميزت هذه السنة بترسيم الأمازيغية في المغرب بعد "وطننتها" في الجزائر، مما يفتح مجالا للاستفادة من تجارب الأمازيغية في المغرب من خلال المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. كما أن الأطاحة بنظام بن على يفسح حرية أكبر أمام التواصل مع أمازيغ تونس، ولا شك أن التكتلات الطارقية التي كانت تتبنى نظريات الكتاب الأخضر ستصبح أكثر تناغما مع محيطها الطارقي الصحراوي -ليبيا مالي النيجر- ومع بعدها الأمازيغي.

لكن مع ذلك فإن البعد الأمازيغي في ليبيا ليس بديهيا، فالحزازات القبلية قد تصبح أشد، ولعل أبرز مثال على ذلك هو الرواية التي نشرها محمود جبريل وغيره من أن القذافي يجول في الصحراء مع الطوارق والحديث عن أربعمائة سيارة مسلحين طارقيين، بالرغم من أن عضو المجلس الانتقالي الطارقي ابراهيم الكوني قد كذب ما سبقها وحذر المجلس من الترويج لتلك المغالطات ذات الخلفية القبلية.
أما الآن، فمع الجرح الليبي وحزن أسر الشهداء والجرحى صدحت أغان بالأمازيغية في ميدان الشهداء ورفعت الأعلام الأمازيغية وشرعت جمعيات في تعليم الأمازيغية وأصبحت بعض المنتديات الليبية صديقة للأمازيغية. ولعل الأيام القادمة كفيلة برفع الستار عن مصار المسألة الأمازيغية في ليبيا.
Read More | علق على هذا الموضوع (3)

أفلاي وسيدو كيتا يرتديان الراية الأمازيغية

Written By آفر برس on السبت، 20 أغسطس 2011 | السبت, أغسطس 20, 2011

السبت، 20 أغسطس 2011

Read More | علق على هذا الموضوع

العثماني: دسترة الامازيغية اعتراف بواقع لا يمكن إنكاره

Written By آفر برس on السبت، 30 أبريل 2011 | السبت, أبريل 30, 2011

السبت، 30 أبريل 2011

حاوره : محمد بلقاسم -هسبريس
فتح ورش تعديل الدستور وفتحت معه عدة ملفات للنقاش الفكري والسياسي. ومن بين الملفات المفتوحة للنقاش ملف السياسة اللغوية وخاصة ما تعلق باللغة الأمازيغية.
وشكل موضوع دسترة الأمازيغية من عدمه مجالا لتباين الرؤى والمواقف فضلا عن طبيعة تلك الدسترة بين جعلها لغة رسمية أو جعلها فقط لغة وطنية.
لتسليط الضوء على هذا الموضوع اخترنا أحد الوجوه الأمازيغية وفاعل في المجال اللغوي، وهو القيادي الإسلامي المعروف بقناعته بضرورة دسترة الأمازيغية كلغة رسمية الدكتور سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية.

العثماني أكد في هذا الحوار أن أهم الأسس التي يرتكز عليها دعاة دسترة الأمازيغية كلغة وطنية، اعتراف بأقدم مكون من مكونات الهوية الوطنية. وهو أيضا اعتراف بواقع لا يمكن الاستمرار في إنكاره. وبالتالي فإنه، حسب العثماني، من الضروري أن يعكس الدستور هذا التعدد في مكونات الهوية الوطنية، مضيفا أنه لا يمكننا الحديث عن الديمقراطية وفي نفس الوقت نقصي الأمازيغية ثقافة ولغة عن الاعتراف الدستوري بها.

كيف تقرؤون مطالب اعتماد الامازيغية لغة رسمية للبلاد؟
إنه مطلب قديم نسبيا للحركة الثقافية الأمازيغية، وقد ازداد المطالبون به مع ظهور فشل إدماج الأمازيغية في التعليم، على اعتبار أن عدم وجود مقتضيات دستورية وقانونية تجعل المسؤولين في حل من الالتزام بأي برامج في هذا المجال. وقد ظهر فعلا أن هناك من لم يهتم بإنجاح ورش تعليم الأمازيغية واعتبره عبئا لا واجبا وطنيا.

في اعتقادكم ما هي الأسس التي يعتمدها دعاة الدسترة؟
أهم تلك الأسس أن الأمازيغية لغة وطنية، تحدث بها المغاربة منذ حوالي ثلاثين قرنا، فدسترتها اعتراف بأقدم مكون من مكونات الهوية الوطنية. وهو أيضا اعتراف بواقع لا يمكن الاستمرار في إنكاره، واقع وجود وعمق الثقافة الأمازيغية في بلدنا. وبالتالي فإنه من الضروري أن يعكس الدستور هذا التعدد في مكونات الهوية الوطنية.

ومن تلك الأسس أيضا لا يمكننا الحديث عن الديمقراطية وفي نفس الوقت نقصي الأمازيغية ثقافة ولغة عن الاعتراف الدستوري بها. فالانتقال الديمقراطي المنشود في مغرب اليوم لن يكون سليما وحقيقيا إلا بإقرار البعد الأمازيغي في الدستور والاعتراف فيه باللغة الأمازيغية لغة رسمية باعتبارها مرتكزا رئيسيا في الثوابت الوطنية وجزءا أصيلا وأساسيا من الشخصية المغربية ورافدا من روافدها تاريخيا وثقافيا ولغويا. من تلك الأسس أيضا أن غياب السند الدستوري هو من بين الأسباب الرئيسة لعدم إعطاء الأمازيغية مكانتها ثقافيا وتعليميا وإعلاميا ولغويا حتى الآن، ولعدم نجاح كثير من برامج النهوض بها.

كثيرة هي الدول التي تعتمد أكثر من لغة رسمية لبلدانها لكن هذه اللغات تكون جهوية وتتفق على أن اللغة الرسمية واحدة كيف ترون هذه التجارب كالمطبقة في الهند وإسبانيا؟
الدول التي تتوفر على أكثر من لغة رسمية واحدة كثيرة جدا تبلغ العشرات عبر العالم. لكن تجاربها متنوعة. فهناك فعلا بلدان نصت في دساتيرها على أكثر من لغة رسمية، لكن أقرت بعضها بوصفها لغات جهوية. وذلك مثل إسبانيا حيث اللغة الكتالانية رسمية في إقليم كاتالونيا فقط. وهناك نموذج آخر في بلجيكا حيث للدولة ثلاث لغات رسمية هي: الهولندية والفرنسية والألمانية. وتشير الإحصائيات إلى أن 60% من البلجيك هم من الناطقين بالأولى، و 40% من الناطقين بالثانية بينما ليس هناك اليوم إلا حوالي 1% من الناطقين بالألمانية. وهذا معناه أن هناك عناية بدسترة حتى اللغة التي ينطق بها عدد ضئيل جدا من المواطنين. والأمر غير الصحي في التجربة البلجيكية هو أن الدستور ينص صراحة على أن هناك أربع مناطق لغوية هي: المنطقة اللغوية الهولندية (=الفلامانية)، المنطقة اللغوية الفرنسية، منطقة بروكسيل العاصمة المزدوجة اللغة (فرنسية-هولندية)، والمنطقة اللغوية الألمانية. وعلى الرغم من أن اللغات الثلاثة لغات رسمية متساوية على المستوى الفدرالي، إلا أن كل واحدة منها لغة رسمية وحيدة في منطقتها الرسمية. وهذا ما أدى إلى الصراعات المعروفة بين المنطقة الفلامانية الناطقة بالهولندية، والمنطقة الوالونية الناطقة بالفرنسية.

لكن هذا النموذج للغات رسمية مركزيا والمنفصلة من حيث امتدادها الجغرافي محليا ليس هو الأصل في تعدد اللغات الرسمية. فدستور جنوب إفريقيا ينص على أحد عشر لغة رسمية، لكنه يفرض بالنص الصريح على الحكومة الوطنية والحكومات المحلية استخدام اثنتين على الأقل من تلك اللغات.

وهناك في كندا لغتان رسميان هما الانجليزية والفرنسية. وتنص المادة 16 من الدستور على أن لهما وضعية وحقوق وامتيازات متساوية من حيث استعمالهما في مؤسسات برلمان كندا وحكومتها.

إن وفرة التجارب الدولية في هذا المجال مفيد جدا لأنه سيمكننا من أن ننسج نموذجنا الخاص بالاستفادة منها. ومن هنا أقول إن بعض الاقتراحات التي تريد أن تجعل الأمازيغية لغة في بعض الجهات ـ إضافة إلى كونه مجافيا لحقيقة أن الأمازيغة في المغرب ليست محصورة في جهات بعينها، ولحقيقة أنها اللغة الأصلية للمغاربة ـ فإنها تمتاح من نماذج تعيش اليوم إشكالات قاسية في التدبير اللغوي والسياسي، ذهبت في بعضها إلى بروز خطر الانقسام والتفتت.

فلا مناص من التنصيص دستوريا بأن للمغرب لغتين رسميتين على مستوى الوطن. ولتجاوز إشكالات تدبير هذه الثنائية، اقترحت أثناء مناقشة الموضوع في الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية أن يضيف النص الدستوري بأنه يصدر قانون تنظيمي يحدد مقتضيات وإجراءات تنزيل ذلك.

ما الذي يمكن أن يترتب عن دسترة الامازيغية كلغة رسمية؟
أهم ما سينتج عنه هو إزالة الغبن الذي تشعر به شرائح واسعة من الأمازيغ، عندما يرون أن لغتهم على الرغم من أصالتها وطنيا، وعمق تجذرها في هذا الوطن منذ حوالي ثلاثين قرنا، وكون حوالي نصف المغاربة يتحدثون بها، فهي غير معترف بها دستوريا.

أما عمليا فستصبح الدولة بمختلف أجهزتها ملزمة بإنجاح أوراش النهوض بالأمازيغية. والجميع واع بأن كتابة جميع الوثائق الرسمية ومشاريع القوانين باللغتين ليس أمرا مطلوبا اليوم. لكن وضع الإجراءات لتنضج شروطه في المستقبل هو أمر مشروع من حيث المبدأ، فإن تطبيقه عمليا يحتاج إلى نقاش وطني تتبلور نتائجه لتضمن في القانون التنظيمي المذكور. لكن كيف يسمح بلغة أجنبية هي اللغة الفرنسية بأن يكون لها الجزء الأكبر من ذلك ولا يسمح بذلك، ولو في حدود، للغة الأمازيغية التي هي لغة وطنية؟

ومن هنا فإن الذين يدافعون عن دسترة الأمازيغية بوصفها لغة وطنية مجانبون للصواب. لأنها أصلا لغة وطنية، والتنصيص عليه في الدستور اقرب إلى العبث لأنه تحصيل حاصل. إضافة إلى أن ذلك لن يحل الإشكالات المرتبطة بالنهوض بها. وأغرب ما سمعناه من بعض المدافعين عن هذا الطرح أن الأمازيغية ليست لغة وإنما هي لهجات. وهذا مبني على تجاهل تاريخ الأمازيغية من جهة، وتجاهل حقيقة أن اللهجات الأمازيغية متقاربة فيما بينها، وأن كثيرا من اللغات المشهورة اليوم كانت لهجات فأخرجها أبناؤها من تلك الوضعية لتصبح لغة مكتوبة تصلح لتنقل العلم والمعرفة. وأنوه بجهود المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي بذل جهودا في هذا الاتجاه.
Read More | علق على هذا الموضوع (4)

ثلاثون قرنا من تاريخ المسرح الأمازيغي: (البداية والامتداد)

Written By آفر برس on الخميس، 24 مارس 2011 | الخميس, مارس 24, 2011

الخميس، 24 مارس 2011

جمال الدين الخضيري


مقدمة
ونحن نحتفل باليوم العالمي للمسرح الذي يصادف 27 مارس من كل سنة، جدير بنا أن نستحضر تاريخ مسرحنا الأمازيغي ولحظاته الخالدة، لاسيما بمنطقة الريف، لأنه ديواننا، وجزء من ذاكرتنا الحامل لقيمنا وخصوصيتنا. فما أجحف الكتب المدرسية والمقررات الجامعية التي تؤرّخ للمسرح في بلادنا، وترجع بداياته إلى فجر القرن الماضي!، وكأن ما أنتجه الإنسان الأمازيغي لا ينتمي الى الربرتوار المسرحي المحلي، أو لا يرقى الى مصاف الإنتاج العالمي والإنساني.
والحقيقة التي لا مِرْيَةَ فيها، ويتعمد البعض أن يتغاضى عنها، أن المسرح الأمازيغي قديم قدم هذا الإنسان وحضارته، وجاء متنوعا وغزيرا وبلغات وأشكال مختلفة. وتشير عدة دراسات إلى ممارسة الإنسان الأمازيغي لهذا الفن وتضلعه فيه، لدرجة أننا نجد من يرى أن المسرح الأمازيغي الناطق والراقص والغنائي سابق على المسرح الروماني، كما أن التمثيل قديم عندهم إذ " جاؤوا به من الهند وأسس له يوبا الثاني معهدا لتدريسه بشرشال، ألف فيه التصانيف، والتمثيل البربري إما ديني على الطريقة الهندية واليونانية القديمة فهو أناشيد ورقص وحركات وتصاوير تمثيلية لاسترضاء الآلهة أو إبعاد غضبهم، أو خزعبلات مضحكة للسخرية من بعض الشخصيات البارزة وإظهار عيوب الناس المنتقدة"[1]
ولقد عرف أزهى عصوره بعد مؤلفات ترينتيوس القرطاجي. ومن ألمع شخصيات المسرح الأمازيغي يرنوس المولود في طنجة سنة 190 ق م. هذا فضلا عن أبوليوس وعمله الرائد" الحمار الذهبي". كما أن اهتمامات يوبا الثاني الملك الأمازيغي بالمسرح جلية ومتميزة، وله كتاب مشهور في ذلك سماه "تاريخ المسرح" لكنه ضاع مع الأسف كما ضاعت جل الأعمال التي ألفها الإنسان الامازيغي قديما، منها هذه المسرحات التي كانت تعرض في مسارحه. ولم تحتفظ لنا الأيام إلا بشذرات مبعثرة، وهي مبثوثة في بعض التصانيف والكتب الرومانية. فعلى العموم الأدب الامازيغي برمته صالح لإنتاج مسرحيات ذات منحى شعبي ونزعة تاريخية، كما أنه صالح لأدب الطفل، ويجعلنا في غنى عن نقل الآداب الأجنبية. [2]
ورغم أن مآل هذه المسرحيات هو الضياع، فإن تقاليد المسرح الأمازيغي بقيت حية ومستمرة، وتمثلت في الرقص الشعبي والأشكال الفرجوية التي مازال بعضها يمارس إلى يومنا هذا وإن بشكل مختلف، وهو ما يسمى بالأشكال الفطرية. وتتوفر هذه الفرجات على عناصر درامية وخصائص مسرحية تعج بعناصر التمسرح Théâtralité ، وهي حسب رأي حسن المنيعي تعتبر " أشكالا مسرحية مجهوضة رافقت الإنسان منذ أن درج على الأرض لأنها تنبني على الحوار والشخوص والديكور والملابس والموسيقى والزمان والمكان ولأنها تفترض معدين ومؤطرين"[3].
فالمسرح الأمازيغي بالريف يطفح بمثل هذه الأشكال من مثل: شارح مدجاح، باشيخ، طقوس العرس، أقلوز... ولعل ما وفر لهذه الفرجات الاستمرارية كونها عبارة عن سلوك مصاغ أكثر من مرة ومتواتر ينتقل من عصر إلى عصر ونصها شفهي وجماعي يعاد كتابته باستمرار. وهي أشكال مهمة لأنها تحيلنا على الهوية الأمازيغية وبعض مؤسساتها الاجتماعية وتنظيماتها ومعتقداتها. لذا فقد أثارت هذه الأشكال اهتمام الدارسين الأجانب، لكنها في الغالب الأعم تحتاج إلى مزيد من الدراسة المعمقة ومعالجة جديدة في ضوء مناهج ملائمة من قبيل الدراسات الأنتربولوجية والفلكلورية. وفي هذا الإطار يتحدث مولييراس عن الكرنفال باعتباره خاصية يتميز بها الريفيون قائلا:"ولا نجد شبيها له في الأجزاء الأخرى من المغرب، سواء لدى العرب أو الأمازغيين. وحدهم الريفيون يمارسون المسخرة Mascarade ، إلا أنهم لا يتبجحون بذلك خارج منطقتهم، لأنهم يدركون مسبقا بأن المسلمين الآخرين سيستقبلون بنوع من القرف هذا اللعب التهريجي الغريب. فهل يمكن اعتبار هذه العادة استمرارا للألعاب التهريجية الرومانية Saturnales ؟"[4].
هذا دون أن نغفل بعض الأشكال الفرجوية الغير المنظور إليها، لأنها لا تجري في الأسواق أو الأماكن العمومية بل في أماكن خاصة، ويمكن تحديد هذه الأشكال في "كل ما يدور من مشاهد داخل البيوت وكذا رقصات المساء"[5]
وتتطرق مجموعة من الدراسات [6] إلى أشكال فرجوية انحسرت أو تعرضت للمنع والاندثار بفعل الفتوحات الإسلامية التي أضفت على الحياة الاجتماعية في المنطقة لونا جديدا. ويرى أنجلو غريلي أنه توجد سلسلة من الأساطير والطقوس الفرجوية تتعلق بمسوخ وتحول رجال ونساء إلى حيوانات، وهي اعتقادات طوطمية تمثل العمق الديني عند الأمازيغ القدماء، وكذلك بعض الطقوس الفلاحية التي تمارس دوريا عند تعاقب الفصول، وموضوعها الأساس نشدان الخصوبة للأرض وطلب الأمطار، وبمجيء الإسلام تم استئصال هذه المظاهر الفرجوية [7]. وفي السياق ذاته نشير إلى السياسة التي سنها المخزن المغربي في عهد السلطان المولى سليمان والمسماة بتقويم الانحرافات الاجتماعية والدينية نزولا عند طلب الفقهاء من ضمن ما جاء فيها: تحريم المواسم واستعمال آلات الطرب ليلة عاشوراء، وكذا تحريم التمثيل الشعبي المرتجل الذي يقلد فيه الممثل يهوديا أو مسيحيا أو تاجرا أو بدويا أو ما إلى ذلك.
ومع تعرض منطقة الريف للاحتلال الأجنبي في بداية القرن الماضي، تراجعت الحركة الثقافية وتوارت مظاهر الاحتفالات والفرجة بشكل لافت للنظر، وهذا راجع لانشغال السكان بمقاومة المحتل[8]، ثم بعد ذلك انخراطهم قسرا في الحرب الأهلية الاسبانية والحرب العالمية الثانية، كما أن المجاعة الطاحنة التي تعرضت لها المنطقة أدت إلى نزوح أعداد كبيرة منهم نحو الجزائر المستعمرة من فرنسا وأماكن أخرى بحثا عن القوت والطمأنينة.
ولكن مع ذلك يمكن تسجيل طقوس احتفالية في مواضع متفرقة من الريف لا سيما التي عرفت تجمعات سكنية مهمة ومنظمة. والحقيقة أن مناجم استغلال الحديد بمنطقة وكسان Uixan (الناظور) المستغلة من لدن الأسبان آنذاك، والتي كانت تُشغّل فئة عمالية وفيرة جلها من الريف، ثبت أنها كانت تقام فيها تقاليد فرجوية ومسابقات رياضية وترفيهية في مواقيت معينة من كل سنة. ويشير بيسينتي موغا روميرو Vicente Moga Romero أن هذه الاحتفالات كانت تنظم في نادي منطقة وكسان Club de Wixan وفي ساحتها العمومية Plaza publica del publado، كما أنها كانت تلقى إقبالا جماهيريا كبيرا وتستقطب أناسا من المدن والأحياء المجاورة أمازيغ واسبان، ومن بين الطقوس والألعاب التي كانت تمارس فيها مباهج النيران Saltos sobre hogueras ، ولعبة جذب الحبل El tiro de la cuerda. [9]
ويتحدث المؤلف نفسه راصدا شكلا فطريا أقيم في محيط هذا المنجم سنة 1935 ، موضحا كيف أن "سكان بني بويفرور اصطفوا في شوارع (وكسان) بوجوههم المطلية بالسناج، متنكرين في فروات الخرفان، يجرون تجاه المنازل طالبين هدايا. [10]
Los habitantes de los aduares de Beni bouifrur desfilaban por las calles de Wixan con sus rostros embadurnados y tiznados, disfrazados con pellizas de borregos, recorriendo las casas solicitando regalos."
إذا كان قدر المسرح الأمازيغي في القديم هو الضياع، وتضافر عدة أسباب جعلته مختزلا في الذاكرة الشعبية والممارسات الجماعية، فما هو مآل هذا المسرح المرتبط بالقاعة الايطالية في الفترة الحديثة،فترة تطور وسائل الاتصالات، وتعدد وسائل النشر ، وما هي محدداته وسماته؟.

محددات المسرح الامازيغي بالريف:
من الصعب جدا ونحن نتناول المسرح الأمازيغي ، الناطق بأمازيغية الريف في الفترة الحديثة أن نلم به دون أن نستحضر عدة ضوابط أو محددات منها ما هو لسني/ لغوي[11]، أو ما هو جغرافي، لكننا سنقتصر في هذه المداخلة بشكل مختصر على ضابطين منهجيين(الضابط الفني، والضابط الزمني)، وذلك حتى يتسنى لنا مقاربة هذا الموضوع مقاربة موضوعية ، ومن ثم الوصول إلى بعض النتائج دون تعسف أو ليّ لأعناق المصادر/ الحقائق المتوافرة لدينا.

أ- المحدد الفني
يتعلق بجنس المسرح نفسه. والحقيقة أننا عندما ندرس هذا المسرح نضطر للتعامل مع العروض المسرحية دون النصوص؛ لأننا لا نتوفر عليها، باستثناء نص واحد تم نشره مؤخرا، ويتعلق الأمر بمسرحية "واف": الفزّاعة لمحمد بوزكو. [12] ونسجل هنا بحرقة ونحن نعيش في الألفية الثالثة، وثورة المعلومات، والأدب الرقمي، والنص المترابط في مقابل النص الورقي، غياب الوثيقة المكتوبة في أبسط مقوماتها التي تحفظ هذا المسرح.
إذاً، فالمسرح الامازيغي- ويحز في نفوسنا أن نقول ذلك- يعيش بلا ذاكرة حقيقية مادمنا لا نتوفر على ربرتوار مسرحي مكتوب. صحيح أن المسرح فن يمشي، فن يتحرك، فن مركب ومفتوح على باقي الفنون، وما النص إلا مكون من مكوناته العديدة، ولكن لا بد من تخليده وحفظه عن طريق نشره وتداوله. ولعل ما يؤرق مضجع كثير من الباحثين المهتمين بهذا الفن أن تضيع كثير من الأعمال المسرحية وتقبر إلى الأبد بمجرد عرضها مرات معدودة. والعرض المسرحي كما هو معلوم فن عابر ومنفلت بامتياز، وحتى وإن قيض لبعض العروض أن تكون (محفوظة) بواسطة الفيديو، أو في أوراق مرقونة أو مخطوطة، فإنها تظل حبيسة في مكتبات خاصة ولدى أشخاص معينين، لتبقى الوثيقة المكتوبة من أهم الوثائق التي تعطي سمة الخلود للنص المسرحي. فما الذي تبقى من أسلافنا المسرحيين غير كتاباتهم!. وهذا ما تنبه إليه مؤخرا المسرحي المغربي الطيب الصديقي، بحيث سعى إلى تدوين وتخليد أعماله المسرحية رغم أنها صعبة التوثيق، إذ تعتبر أعمالا منبثقة من فرجات مغربية شفهية يصعب تجسدها من الناحية الكرافية والحسم في شرعيتها النصية أو الأدبية.

ب- المحدد الزمني
في الحقيقة هذا الضابط ضابط شائك، لأننا مجبرون على التعامل مع المسرح الأمازيغي بالريف في فترة حديثة جدا. وبالتحديد مع بداية سنوات التسعين من القرن الماضي. إذ إن أول العروض الناضجة الواعية بأساليب الكتابة الركحية وبمكونات العرض المسرحي، حسب رأي مجموعة من المهتمين بالشأن المسرحي في الريف، والتي وصلتنا، تعود إلى تلك الفترة،وهي مسرحية" أزوغ ذي ثيوث" أبحث في الضباب، ليبقى المسرح قبل هذا التاريخ غير مرصود بدقة ولا نعرف عنه الشيء الكثير، وإن كانت بعض الدراسات تشير إلى أن أول العروض التي عرضت بمنطقة الريف تعود إلى سنة 1978 "إرحاكد أميثناغ" وصل ابننا، ومسرحية " يهواد أكنباوي غ ثندينت أثييسي باسابورتي" جاء القروي إلى المدينة للحصول على جواز السفر، سنة 1979، إلا أنها كانت بسيطة جدا، وأقرب منها إلى السكيتش والمسرحية البسيطة. فمن الطبيعي أن هذه المرحلة ،( من بداية سنوات التسعين إلى يومنا هذا) هي التي ستُؤخذ بعين الاعتبار والدراسة. وهكذا فإن المسرح الأمازيغي بالريف راكم طيلة هذين العقدين من الزمن أكثر من ستين مسرحية. هذا التراكم خول لنا أن نخرج ببعض الميزات الفكرية والفنية.

السمات الفكرية والفنية للمسرح الأمازيغي بالريف
عالج المسرح الأمازيغي بالريف عدة قضايا فكرية وفنية، وباستقرائنا للمسرحيات المعروضة التي عرفتها المنطقة، نخرج بتصنيفات نوجزها في الآتي:

أ- مسرحيات مقتبسة
في ظرف وجيز جدا استطاع المسرح الأمازيغي بالريف أن يحرق المراحل ويتمثل تجارب مسرحية عربية وغربية ويستفيد من مختلف تياراتها ومدارسها. فكان أن لجأ إلى الاقتباس عن المسرح العربي من مثل مسرحية"أغيور اينو اعزن" ،حماري العزيز، وهي مسرحية لفؤاد أزروال، اقتبسها عن توفيق الحكيم، وعرضت بسينما الريف سنة 1996، وكذلك مسرحية "المفتش ارحكد" جاء المفتش، التي اقتبسها فؤاد ازروال أيضا عن المسرحي الروسي كوكول.

ب- مسرحيات تاريخية
وهي مسرحيات تستحضر أسماء أو رموزا تاريخية امازيغية بعينها من مثل:
- مسرحية" ثاندبنت ن تارجا" مدينة الأحلام، من تأليف الطاهر الصالحي وإخراج فاروق ازنابط. تتناول المسرحية محاكمة يوغارطة من قبل ماسينيسا بعد أن تم التفريط في الهوية والكتابة الامازيغية
- مسرحية"أرياز ن وارغ" رجل من ذهب، أُلفت من قبل أحمد زاهد، وأخرجت مرتين المرة الأولى بواسطة فخر الدين العمراني، والمرة الثانية بواسطة فاروق ازنابط. عرضت سنة 2006 بمسرح محمد الخامس بالرباط. تتحدث هذه المسرحية عن المقاومة الأمازيغية في الريف إبان ثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي
- مسرحية "ثبرات" الرسالة، من تأليف مصطفى القضاوي وإخراج فاروق ازنابط. استقرأت الذاكرة الامازيغية من خلال استحضار شخصيات تاريخية أمازيغية من مثل ماسينيسا طارق ابن زياد، محمد بن عبد الكريم الخطابي.

ج- مسرحيات ذات منحى تجريدي
عندما نقول المسرح التجريدي فإننا نعني به أسلوب لعب un style de jeu يكسر الإيهام المسرحي ويثور على النص المعد بشكل جيد، ذلك النص الذي تأخذ فيه الأحداث منحا تصاعديا. لقد نحى المسرح الامازيغي نحو التجريد في مجموعة من أعماله خائضا غمار التجريب والثورة على المسرح الأرسطي، ومن أهم هذه المسرحيات نجد:
مسرحية "اربع اجنا يوضاد"، ربع السماء سقط، والتي عرضت في المهرجان الأول الاحترافي للمسرح الامازيغي بالدار البيضاء سنة2006 ، وهي من إخراج شعيب المسعودي، وتتناول زلزال الحسيمة من زاوية تجريدية قاتمة، فلا نجد فيها حبكة واضحة. إنها عبارة عن عرض لمواقف متضاربة ومتناقضة وتفكيك للوحات الركحية.
-"مسرحية ثسيث" ، المرآة، عرضت في الغرفة الفلاحية بالناظور سنة 2006، وهي من تأليف وإخراج سعيد المرسي، هي كذلك لا تقدم لنا الأحداث جاهزة، وانفردت بإفراغ اللغة الكلامية من بعض محتوياتها الدلالية، وتتحدث عن قلق الإنسان الامازيغي المعاصر والسوداوية التي تخيم عليه.

ج- مسرحيات نسائية
هذا النوع من المسرحيات يتم إخراجها وتشخيصها من قبل النساء وتتناول مواضيع ترصد المرأة ومشاكلها في مجتمعها. والظاهر أن دور المرأة في مجال الفن عموما بالريف ومنذ القدم ظل بارزا ومتميزا لا سيما في مجال الرقص والتعبير الجسدي، ولقد انبهر جل الإثنوغرافيين الذين زاروا الريف بالقدرات الفنية للمرأة، فهي بارعة في الحكايات Cuentos ، والسرد Narracion ، والمشاركة في الفرجات الفلكلورية Participacion en el folclor . [13] ومازالت المرأة الامازيغية توظف هذه القدرات في المسرح الحديث، وقمين بنا أن نعرج على مجموعة من المسرحيات الأمازيغية انصرفت إلى قضايا المرأة بواسطة المرأة نفسها تأليفا وإخراجا وتمثيلا نذكر منها:
- مسرحية " أقلوز"، التي قامت بإخراجها وتشخيصها لويزة بوسطاش، مركزة على المرأة وطقوسها اللعبية من خلال إبراز خصوصياتها وبعدها الجسدي والاثنوغرافي، وذلك بواسطة عدة مظاهر جسدية وحركية وأيقونية والمتمثلة في: الوشم وطريقة التزين، واللباس المستعمل، والحركات (الجيستوس)...، وجاء ذلك من خلال توظيف شكل فرجوي فطري خاص بالمرأة وهو ما يعرف بفرجة "أقلوز" التي كانت تمارس بكثرة في احتفالات وأعراس الريف. إنها فرجة استعراضية تكشف عن الجسد الراقص للمرأة ، لكن بشكل تهكمي، إذ تلجأ الراقصة إلى وضع إناء أو أي شيء دائري حول خاصرتها مما يجعل عجيزتها بارزة بشكل مبالغ ومضاعف. إنها دعوة إلى تحرر الجسد بإدخال تشويهات عليه وتسمين بعض أعضائه. وهذا يذكرنا بالجسد الكرنفالي الذي يعتمد بدوره على المضاعفة والنفخ. مما يجعلنا نعتقد أن هذه الفرجة قديمة جدا ومارسها الأمازيغ إبان احتفالاتهم وطقوسهم في أفضية خارجية لتتسلل بعد ذلك بعض بقاياها إلى أعراسنا بالشكل الذي تمارس به الآن.
- مسرحية "تمرد امرأة"، وهي من تأليف وتشخيص ماجدة بناني تدخل في هذه الخانة أيضا، بحيث تسلط الضوء على المرأة في المجتمع الأمازيغي وصراعها مع الرجل الذي يسعى إلى تكبيلها وفرض توصياته عليها. المسرحية تصور الأب بشكل قاس جدا، إذ سيعتدي على ابنته بطريقة وحشية، وسيفتض بكارتها، وهذا سيؤدي بها إلى الانتحار هروبا من الواقع ودرءا للفضيحة.
- مسرحية " نساء الزابوق"، وهي مسرحية من تأليف سلوى الروكي وإخراج ماجدة بناني. ترصد هذه المسرحية واقع التهريب الذي تمارسه بالخصوص النساء، حيث يسلكن المعبر الحدودي الفاصل بين مدينة الناظور ومدينة مليلية المحتلة. وتحيلنا المسرحية بشكل صريح إلى المكان الجهنمي"الزابوق" وهو ممر ضيق على جنباته قوات مدججة بالعصي والأسلحة، فتصبح النساء المشتغلات في التهريب اللائي يضطرن لعبوره عرضة لعدة مضايقات واعتداءات.
بيد أن أهم مسرحية في هذا الإطار التي تعاملت مع قضية المرأة باحترافية هي مسرحية "ثدارث مما فاظمة" والتي عرضت بالمركب الثقافي لمدينة الناظور من لدن فرقة الريف للمسرح بالحسيمة يوم 25 اكتوبر 2009. ولقد شارك في هذا العمل طاقم بشري مهم جله من النساء ؛ بحيث نجد في التشخيص كل من نعيمة علاش، وصليحة البوعيادي، وشيماء بن احمد، وأنيسة عقاري، ونجلاء بن احمد، بالإضافة إلى طارق الصالحي. والمسرحية من إخراج نعيمة زيطان. بمعنى أن كل الأدوار الأساسية أُنيطت بالعنصر النسوي .
أما على مستوى التقنية والقوالب الجمالية الموظفة في هذا المسرح فهي متنوعة ومتميزة. فالمسرح الامازيغي بالريف جرب عدة أشكال تمزج بين ما هو حداثي وما هو أصيل، فسعت إلى توظيف الأشكال الفطرية والأهازيج الشعبية والفلكلورية في جل العروض، كما حاول أن ينفتح على النظريات الغربية والتقنيات الحديثة. ونستدل هنا بمثالين:
د- مسرحيات تكشف عن مكوناتها (الميتامسرح):
وهو الحديث عن المسرح داخل العمل المسرح نفسه؛ أي أن العمل يحيل إلى نفسه ويفضح مكوناته ويكشف خيوط اللعبة أمام المشاهد، وهو بذلك يعيد المتفرج إلى وضعيته الحقيقية المتمثلة في وجوده في المسرح. ونشير هنا إلى النماذج الآتية:
- "مسرحية إنحباس أومزكون"، سجناء المسرح،عرضت بمدينة الناظور سنة 1998 ، وهي من تأليف وإخراج البشير الإدريسي، وهذه المسرحية تسائل ذاتها، والإكراهات التي يعاني منها الممثلون والممارسة المسرحية بصفة عامة.
نجد كذلك مسرحيات أخرى توظف بشكل أو بآخر المسرح داخل المسرح كما هو الشأن مع "مسرحية ثداث ماما فاظمة"، منزل ماما فاظمة، وكذلك مسرحية "أغنيج إذورار"، أغنية الجبال، وهي تتحدث عن ثنائية المجتمع والفن.
ه- مسرحيات تتبني لغة السينما:
المسرح الامازيغي خلق لنفسه أفقا أرحب بانفتاحه على لغة السينما ، مرسخا بذلك ثقافة الصورة والقدرة الخارقة لسحر الشاشة،ومن ثم التقليص من مساحة التشخيص، حتى إننا نرى بعض الباحثين يرفضون ذلك ، فحسن يوسفي مثلا يرى أن المسرح من خلال استعماله لهذه التقنية يتحول إلى نظام وثائقي هجين، بل إلى وضع أجناسي جديد؛ أي أنه يساهم في خلق جمالية جديدة للعرض متعددة الوسائط esthétique de présentation multimedia . [14] ولكن رغم ذلك يبقى هذا الانعطاف نحو السينما والاستفادة من أبعاد الصورة ووسائل الاتصال الحديثة إضافة نوعية للمسرح الامازيغي بالريف. ونستشهد هنا بعرضين متميزين: "مسرحية ثاسيرث"، الطاحونة،عرضت بالمركب الثقافي بالناظور سنة 2008 ، من تأليف محمد بوزكو وإخراج سعيد المرسي، اعتمدت على تقنية الشاشة، التي خولت لنا التعرف على أول مشهد من هذه المسرحية. إنه مشهد جاء عن طريق الستارة السينمائية المثبتة في فوندو الخشبة، ممهدا بذلك لأحداثها قبل أن يدخل الممثلون إلى فضاء الركح.
والمسرحية الثانية، وهي "مسرحية رماس"، الساحة أو الفناء، من تأليف أحمد زاهد، وإخراج فخر الدين العمراني، وهو عمل مسرحي ضخم ومتميز ، اعتمد كذلك على تقنية الشاشة. ووظف مشهدا سينمائيا، وهو عبارة عن أحداث جاءت مصورة ومعروضة من خلال الشاشة، مكملة لأحداث المسرحية ومكتشفة لفضاءات جديدة، ولقد لعب أدوارها الممثلون أنفسهم المتواجدون فوق الركح.

تركيب
استطاع المسرح الأمازيغي بالريف أن يمثل المنطقة أحسن تمثيل سواء داخل الوطن أم خارجه، وتمكن من حصد جوائز مهمة في مختلف التظاهرات والمهرجانات.وبهذا يكون قد خطا خطوات جبارة إلى الأمام في ظرف وجيز. ومن خلال ما تقدم يمكن أن نخرج بمجموعة من الملاحظات:
- المسرح في الريف حاول إعادة الاعتبار للتاريخ الأمازيغي وتصحيحه من خلال الثورة على التاريخ الرسمي الذي تقدمه مؤسسات الدولة.
- كشف بعض الجوانب المتنورة والمنسية في التراث، إلا أن التعامل معه كان في غالبه يطغى عليه الجانب التقديسي، بعيدا عن محاولة مراجعته وتحيينه. الشيء الذي أعطى لهذا التراث وظيفة إيديولوجية مباشرة.
- استحضار الأشكال الفطرية بشكل لافت للنظر، إذ لا يكاد يخلو أي عرض مسرحي منها.
- التركيز على خصوصية المسرح الأمازيغي من ناحية المضمون فقط والمعالجة وتناول الحوادث والشخوص وملء الركح كليا مما جعله مبتذلا ومستهلكا في بعض الأحيان، بل معيقا وغير وظيفي، وغياب البحث في البنية المسرحية الأمازيغية التقليدية وتطويرها، ومن ثم محاولة ابتكار تقنيات جديدة.
- استقطاب المرأة لا كمتلقية فحسب، ولكن كمبدعة وفنانة تعتلي الركح وتصبغه ببصماتها وخصوصيتها. وعندما نتحدث عن الخصوصية فإننا نعني طريقة في النظر وأسلوبا في المعالجة ورؤيا للفن تميزت بها. ونوجز ذلك في العناصر الآتية: (التركيز على المكونات الفيزيقية/الجمالية للمرأة، اللجوء إلى بعض الأصوات التعبيرية الخاصة بالمرأة وهو ما يسمى بالأصوات غير اللغوية كالزغاريد، استعمالها للجسد بطريقة متميزة أثناء تفاعله مع غيره من الشخصيات وأثناء تعبيره عن وجهات نظر معينة وهو ما يسمى بلغة المسرح بالجستوس الاجتماعي (gestus social ) .
- غياب توثيق وتدوين هذا المسرح رغم توفر جل العروض على نصوص قبلية تكون مخطوطة، تستدعي طبعها ونشرها، وهي دعوة إلى الجهات المسؤولة والمعاهد المختصة أن تهتم بالمسرح الأمازيغي تدوينا وصيانة، لأن أمر التدوين يجب أن تتكلف بها المؤسسات أكثر من الأشخاص.
- في ظل غياب تدوين النصوص، يصعب الحديث عن نقد موازي لها، ودراسات متمعنة لهذا المسرح، اللهم ما جاء من بعض النقاد الذين تابعوا بعض العروض وهؤلاء معدودون على رؤوس الأصابع، أو ما جاء في بعض الصحف والمواقع الالكترونية، وهي مواضيع اقرب إلى الانطباعية والتغطية الصحافية منها إلى النقد الوازن.

المصادر والمراجع
[1] البربر، عثمان الكعاك، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط2، 2003، ص:117.
[2] البربر، مرجع سابق، ص:109.
[3] المسرح المغربي من التأسيس إلى صناعة الفرجة، حسن المنيعي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، فاس، ط 1، 1994، ص:31.
[4] المغرب المجهول: اكتشاف الريف،ج1، أوجست مولييراس، تر: عز الدين الخطابي، مطبعة دار النجاح الجديدة،الدار البيضاء، ط 1، 2007، ص:113.
[5] الضحية وأقنعتها: بحث في الذبيحة والمسخرة في المغرب، عبد الله حمودي، تر: عبد الكبير الشرقاوي، دار تبقال للنشر،الدار البيضاء، ط 1، 2010، ص:12.
[6] على سبيل المثال نذكر رأي مصطفى بغداد في كتابه المتميز "المسرح المغربي قبل الاستقلال"، إذ يعتبر أن السبب الديني كان وراء توقف هذا النشاط المسرحي السائد من قبل، والذي كان غزيرا ومتنوعا في أساليبه وأشكاله. ص:9
[7] أسلمة وتعريب بربر شمال المغرب، أنجلو غريلي، تر: عبد العزيز شهبر، منشورات وزارة الثقافة،الرباط، ط 1، 2009، ص:12.
[8] تجدر الإشارة هنا إلى أنه أثناء حرب الريف بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي عُدّت بعض مظاهر الاحتفال والانغماس في اللهو من مثبطات العمل الجهادي، لذا تم تقليص مدة إقامة مباهج الأعراس من سبعة أيام إلى ثلاثة أيام، وكذا تحريم أهازيج "رالا بويا" وما قد يصاحبها من استعراضات ورقصات لمدة من الزمن.
[9]Un siglo de hiero en las minas del rif, Vicente Moga Romero,servicio de publicaciones,Cuidad de melilla,UNED,Melilla,2010,P:138
[10]Ibid ,P:139
Read More | علق على هذا الموضوع

القبايل : القمع ومشروع الحكم الذاتي

Written By آفر برس on الاثنين، 14 مارس 2011 | الاثنين, مارس 14, 2011

الاثنين، 14 مارس 2011

إدريس ولد القابلة-alkhabar.ma
كان من المتوقع تنظيم العديد من المظاهرات يوم 20أبريل 2010 في الجزائر، وعلى الأخص في "تيزي وزو"، "فكاييت" و"البويرة" للاحتفال بالذكرى الثلاثين لـ "الربيع الأمازيغي" التي شهدت خلالها المنطقة في الربيع 1980 اضطرابات إذ همّ السكان بالمطالبة بالاعتراف الرسمي باللغة الأمازيغية وبوجود الهوية الأمازيغية بالجزائر، لكن بعد مرور ثلاثين سنة، أين هي "القبايل" من هذه المطالبة؟ لنرجع القهقري قصد تقييم واقع الحال.
1- كفاح "القبايل" من أجل الهوية منذ استقلال الجزائر
تعتبر "القبايل" منطقة جبلية كثيفة السكان، وتقع في شمال الجزائر شرق الجزائر العاصمة. إنها محاطة بسهول ساحلية شرقاً، وغرباً، فالبحر الأبيض المتوسط شمالاً وبالهضاب المرتفعة جنوباً. هي منطقة تفتقر للإدارات العمومية، ويقطنها الأمازيغ: "القبايل". يوجد بها مابين 3 ملايين و3 ملايين ونصف نسمة المتكلمين باللغة الأمازيغية ضمن ساكنة جزائرية إجمالية تقدر بـ 35 مليون نسمة. كما يوجد مابين مليونين ونصف من أمازيغ "القبايل" في مناطق أخرى من البلاد، لاسيما في الجزائر العاصمة،إذ يمثلون هناك نسبة كبيرة من ساكنة المدينة. ويوجدون كذلك بالديار الفرنسية (مليون نسمة) وبدول أوروبية أخرى وأيضا كندا.

منذ استقلال الجزائر عام 1962 وفكرتي الحكم الذاتي و مشروع سياسي خاص بـ "القبايل" تشقان طريقهما على امتداد المنطقة، فجبهة القوى الاشتراكية (FFS) تندد وترفض سلطة الحزب الوحيد والقوانين الأساسية للجزائر التي أقصت، جملة وتفصيلا، البعد الأمازيغي.

قاد حزب حسين آيت أحمد عصياناً وتمرداً مسلحا، نُظر إليه من طرف السلطات الجزائرية كأنها محاولة انفصالية. وفي سنة 1965 حدث انقلاباً عسكريا، ورغم أن المجلس الثوري تكوّن وقتئذ أساساً من الأمازيغ، تم قمع بوحشية الحركة الأمازيغية وظلت الجزائر عربية إسلامية. مما أثار القلق وصفوف أمازيغ "القبايل" وتسبب في ترسيخ عدم ثقتهم في السلطة المتخوفة من ذيوع مطالب "القبايل" وسط فئات أخرى من ساكنة الجزائر.

في نهاية الثمانينات وبداية التسعينيات طفت على السطح ثانية فكرة استقلال "القبايل"، علما أن النضال الجماهيري من أجل الهوية الأمازيغية برز من جديد منذ أبريل 1980 مع "الربيع الأمازيغي": تظاهر الأمازيغ وطلاب جامعات الجزائر العاصمة للمطالبة بإعادة تأهيل الهوية الأمازيغية والاعتراف بها رسمية، وبالتعددية السياسية والنقابية وتعزيز حقوق الإنسان، وما إلى ذلك من مطالب.

لكن أعمال الشغب في قسطنطينة سنة 1986، ثم بعدها أحداث أكتوبر 2008 ، هي التي أدت إلى تحقيق بعض التقدم على درب التعددية الحزبية بعد سقوط ما بين 500 و800 من الضحايا.

كانت هذه الأحداث الدامية ذريعة لإعلان حالة الطوارئ وكان الهدف هو منع الطريق على الجبهة الإسلامية للإنقاذ من الفوز في الانتخابات، و هذا الإجراء أٌتخذ تحت مظلة حفظ النظام، لكن في واقع الأمر، كان لشرعنة قمع المعارضة. ومنذئذ أصبح كل حدث درامي تعيشه منطقة "القبايل" يعزز قناعة مفادها أن الحكم الذاتي هو السبيل الوحيد للخروج من مأزق مواجهة السلطات المركزية الجزائرية (مقاطعة الدروس خلال الموسم الدراسي 1994- 1995، التمردات التي أعقبت اغتيال المغني معطوب وناس- الجريمة التي ظلت دون عقاب إلى يومنا هذا – وفي سنة 1998 سن قانون بتعميم استخدام اللغة العربية في كافة المجالات، وما إلى ذلك من إجراءات تضييق الخناق).

لكن في واقع الأمر، إن الأحداث المأسوية الطارئة في "الربيع الأسود" خلال شهر أبريل 2001 هي التي مكّنت حركة "القبايل" من التوسع وهيكلة نفسها. كما ساهم مقتل أحد أبناء "القبايل"، الطالب الشاب "ماسينيسا كرماح، على يد رجال الدرك في بني دوالة (بالقرب من تزي وزو)، واعتقال ثلاثة طلاب الجامعة بطريقة تعسفية، من طرف رجال الدرك أنفسهم ولّدا شعوراً عميقاً بالظلم. تمرد سكان "القبايل" ودامت أعمال الشغب على امتداد أسابيع لتأكيد القطيعة مع السلطات الجزائرية.
وكانت الحصيلة: قتل 125 أمازيغي على يد عناصر من أجهزة الدولة الجزائرية، وإصابة الآلاف بجروح وأعطاب مستدامة وعشرات من المفقودين ومجهولي المصير.

بعد هذه الانتفاضة وقع المثقفون على عريضة المطالبة بمنح منطقة "القبايل" استقلال وحكم ذاتي واسعين، وكان ميلاد الحركة من أجل الحكم الذاتي لمنطقة "القبايل" (MAK) وتأسست هياكلها.

ففي الوقت الذي كان فيه الجدال حول الحكم الذاتي جارياً في الجزائر، كانت لجنة إسعد، التي أنشأها رئيس الجمهورية للتقصي بخصوص الأحداث المأسوية بصدد تحميل المسؤولية للأجهزة الأمنية والدرك بخصوص العنف والتجاوزات الجسيمة. لقد أكدت الجنة أن "رد فعل السكان العنيف أثاره عمل لا يقل عنفاً من طرف رجال الدرك على امتداد أكثر من شهرين الشيء الذي مهد الطريق لاتساع دائرة الأحداث وتغذية تصاعد العنف وإطلاق الذخيرة الحية وأعمال النهب والسلب ومختلف أنواع الاستفزازات والتعدي بالسب والقدح والضرب المبرح والعشوائي"(1)، "إن العنف الذي اقترف في حق المدنيين عنف حرب مع استخدام الذخيرة الحية" (2)، "وفاة كرماح والأحداث التي وقعت في "أميزور" تمثل الأسباب المباشرة الآنية للإضطرابات، في حين أن المسببات العميقة هي اجتماعية، واقتصادية، وسياسية، وقضايا الهوية ومختلف التجاوزات والانتهاكات. إن المسؤوليات تقع في الأعلى" (3).

2- كفاح "القبايل" اليوم: "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، "جبهة القوى الإشتراكية" و"الحركة من أجل الحكم الذاتي لمنطقة "القبايل""
بالجزائر يدافع حزبان سياسيان عن مشروع الحكم الذاتي في "القبايل"، هما حزب "التجمع من أجل الثقافة
والديمقراطية" وحزب "جبهة القوى الاشتراكية". بالنسبة لأول ناهض منذ الاستقلال الحكم الشمولي والمستبد، في حين اعتكف الثاني على الدفاع عن التعددية اللغوية وتعدد الهوية.
أما "الحركة من أجل الحكم الذاتي لمنطقة "القبايل"، فهي نتاج للعديد من المبادرات استهدفت الاعتراف بالشعب "القبايل" وبحقوقه المشروعة. اعتمدت هذه الحركة السلمية منذ تأسيسها على القانون الدولي والعمل الديمقراطي وبذل مجهود في التفكير الهادئ وتحديد رسالة واضحة مع مطالب واقعة سواء بالنسبة لمنطقة "القبايل" أو شعبها.

في يونيو 2003 قدّم تقرير "مجموعة الأزمات الدولية" (إي.جي.سي) (International Crisis Group (ICG) ) الحركة من أجل الحكم الذاتي لمنطقة "القبايل" كحركة "تسعى إلى تحويل غضب شباب "القبايل" إلى شكل من أشكال الاحتجاج السياسي السلمي بعيدا عن الدعوة للعنف أو استخدامه، وقد أظهرت، منذ البداية، عن قدرتها الرائعة في تعبئة المواطنين لدرجة حجب الأحزاب السياسية في المنطقة (...) ".

ترأس هذه الحركة الفنان المغني فرحات مهنى، وهو أيضا أحد المؤسسين الأربعة للتجمع الدستوري الديمقراطي والذي استقال منه منذ سنة 1997. كما خلق أيضا حركة الثقافية الأمازيغية (التنسيقية الوطنية) في 4 أبريل 1993، ثم الحركة الثقافية الأمازيغية ( الاتحاد الوطني) مع نهاية مقاطعة الدراسة في سنة 1995.

وفي ليلة 18-19 يونيو 2004، أُغتيل أمزيان مهنى، نجل زعيم "القبايل"، في باريس، و مع بداية التحقيق في النازلة استبعدت الشرطة احتمال الاغتيال السياسي وغياب أي صلة سياسية بهذه الجريمة (4).
لكن أربعة أسابيع قبل اغتيال ابنه، تلقى فرحات مهنى تهديدات بالقتل والتصفية، والآن رغم مرور ما يقرب من 5 سنوات، لازالت هذه الجريمة غامضة ودون كشف الجهة التي اقترفتها أو أمرت بها.

عموما في السنوات الأخيرة، حذرت مختلف منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، بما في ذلك "إي سي جي" (5)، الرأي العام من تدهور الوضع في منطقة "القبايل": "هذا الصراع يحمل في طياته مخاطر للجزائر قاطبة، بقدر ما يزيد من تفاقم عدم استقرار النظام ويقوض العلاقة بين "القبايل" والأمة. وبشكل عام، ظل يعكس المشكلة الأساسية للجزائر منذ حصولها على الاستقلال: غياب مؤسسات سياسية ملائمة تسمح بتمثيلية منتظمة للمصالح والتعبير السلمي عن المظالم (...)".

وينتقد التقرير أيضا: "الشطط في السلطة وسوء استعمالها الظاهر على جميع المستويات، وعدم خضوع المسؤولين للمساءلة وبالتالي يمكنهم تجاوز القانون وانتهاك حقوق المواطنين دون عقاب".

فمجموعة "إي سي جي" ليست المنظمة الوحيدة التي أشارت بأصابع الاتهام إلى النظام الجزائري، ففي أبريل 2009 تضمن تقرير منظمة العفو الدولية تنديداً مفاده أن السلطات تعمل جاهدة على تكميم الأفواه وكبح الحوار وتقييد حرية النقد وطمس الصراع الداخلي دون اعتبار عواقب هذه السياسة بالنسبة للضحايا والحالة العامة لحقوق الإنسان (6).

3- القمع، جواب الجزائر الوحيد
- في مارس 2002، جمعت ندوة بباريس عدة شخصيات من "القبايل" ذوي اختصاصات واهتمامات مختلفة (في الاقتصاد، اللسانيات، علم الاجتماع...) اعتكفوا على التفكير الجماعي لبلورة مشروع. وتزامنت هذه السنة مع انطلاق المفاوضات بين "العروش"، لجان القرى، والحكومة بعد موجة الاعتقالات التعسفية والاعتراف بالأمازيغية لغة رسمية (دون أن يعني ذلك أنها ستدمج في النظام التعليمي).

- في يناير 2005، قام وفد برئاسة بلعيد بريكة، زعيم المدافعين عن قضية "القبايل" - غداة أحداث 2009 - بالتفاوض مع الحكومة لإنهاء الاشتباكات و المواجهات بين "القبايل" والسلطة المركزية ، وقدم 15 مطلبا بلورها ممثلو الجماعات المحلية بمنطقة " القبايل" (القصور). والآن بعد مضي 5 سنوات مازالت الدولة لم تحترم عدد من الالتزامات التي تعهدت بها وقتئذ.

- بصرف النظر عن تعويضات أهالي ضحايا القمع الشرس في "الربيع الأسود"، معظم الالتزامات الأخرى لم تعرف طريقها إلى التنفيذ بعد.

- في أكتوبر 2006، تم اغتيال رابح عيسات - رئيس مجلس تزي وزو منذ 2002 وعمدة قريته في "عين رايا" - عندما كان جالساً في شرفة مقهى، إذ رماه مجهول بالرصاص مصيباً رأسه وبطنه. حدث هذا الاغتيال الشنيع عندما كان حزبه، جبهة القوى الاشتراكية ، بصدد تهيئ مؤتمره للتنديد بالتغيير الدستوري المرتقب آنذاك. و رغم أن السلطات الجزائرية حاولت إلصاق هذه الجريمة للجماعة السلفية (الجماعة السلفية للدعوة والقتال)، تظل الحقيقة القائمة هي "في ظل قلة الحيلة والشعور بالعجز من طرف السكان وسيادة اللامبالاة إزاء السياسة، عمل النظام على فرض قانونه، إذ لا يمكن استبعاد رغبة هذا الأخير في إلحاق ضربة قاضية لهذا الحزب، و ذلك رغم إضعافه، ظل يتوفر على تمثيلية مهمة للمواطنين. وكذلك لزعزعة منطقة "القبايل" التي عاشت انعدام الأمن والاختطاف لطلب الفدية وأنواع أخرى للسطو أضحت مزعجة و مقلقة جدا وقتئذ".

خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، دعت جميع القوى السياسية بمنطقة "القبايل" لمقاطعة اقتراع 9 أبريل. لأول مرّة هبّرت الأحزاب السياسية المعترف بها (جبهة القوى الاشتراكية وتجمع الثقافة والديمقراطية)، و"الأعراس" (حركة رأت النور خلال تمردات 2001) والحركة من أجل الحكم الذاتي لمنطقة "القبايل"، عن رفضها لجميع الانتخابات الرئاسية السابقة.

- في سنة 2009، كشفت الحركة من أجل الحكم الذاتي لمنطقة "القبايل" عن تهديد وترهيب عدد من أطرها و مناضليها.

- في غشت 2009، اعتقل السكان عناصر من الأمن الجزائري بـ " تادميت" في منطقة "القبايل" كانوا بصدد إدرام النار في حقول مزروعة، واندلعت اشتباكات بين الأهالي والقوات المسلحة الجزائرية عندما حاولت الإفراج عن العناصر المكلفة بإحراق الحقول وهي جرائم تكررت في عدة جهات بمنطقة "القبايل" (غابات، حقول الكروم وأشجار الزيتون وحتى البيوت).

- في أكتوبر 2009 شهدت "تيزي وزو" اضطرابات بفعل سخط الساكنة جراء تدهور الظروف المعيشية والإهمال وفشل السلطات في التعامل مع المشاكل المتراكمة من سكن وطرقات وانقطاع الكهرباء والماء والغاز، وكلها ووجهت بقسوة وبقمع شرس من طرف قوّات حفظ الأمن.

- في ليلة 9 يناير 2010 أدرمت النار في الكنيسة البروتستانية في "تيزي وزو" ، وحسب صحيفة "الوطن" الجزائرية، "تعرض هذا المبنى الديني المخصص للتعبد، للنهب من قبل أشخاص موفدين من قبل السلطات في الجزائر العاصمة" (7). إن أعمال وتجاوزات من هذا القبيل لا يمكن قبول حدوثها بمنطقة "القبايل" العميقة حيث ساد التسامح والتعايش بين مختلف الديانات إلى حدود السنوات القليلة الماضية في جو من الاحترام المتبادل.

- في 12 يناير 2010، نُظمت مظاهرتان كبيرتان بمناسبة السنة الجديدة الأمازيغية في "تيزي وزو" و"جباية" جمعتا ما يقارب 15 ألف متظاهر حسب المنظمين و7 آلاف حسب مصالح الأمن الجزائرية. ومرّة أخرى، أحرجت كثيرا هذه المظاهرات النظام الجزائري، حيث قبل يومين من تنظيمها احتجزت قوات الأمن الخاصة 10 زعماء من الحركة من أجل الحكم الذاتي لمنطقة "القبايل" عدة ساعات في مخفر الشرطة، ولم تفرج عنهم إلا في ساعة متأخرة من الليل. وعموماً كان تنظيم هذه المظاهرات جيداً، إلاّ أنه، حسب مراقبين مستقلين تواجدوا بعين المكان، أطلقت قوات حفظ النظام العنان للعنف واستخدمت الرصاص المطاطي وأمطرت هرواتها على حشود الجماهير والمراهقين الذين تابعوا الأحداث على الهامش و دون المشاركة فيها، كما تكلمت وسائل إعلام أخرى عن "العنف البوليسي الشرس" (8) وعن "العديد من الجرحى جراء اشتباكات مع الشرطة الجزائرية" (9).

إذا كانت حدّة الاحتجاجات والأجواء المكهربة قد هدأت والمظاهرات الحاشدة قد أضحت نادرة في السنوات الأخيرة بمنطقة "القبايل"، هناك حقيقة لا يمكن نكرانها، أن التمردات الصغيرة هناك أصبحت شائعة، وحسب الصحفي خوسي غارسون، انضاف شيء جديد، " إذ أصبح تتبع كل تدخل قويّ للرجال الأمن حملات اعتقال غالباً ما تنتهي بأحكام حبيسة (10). ويضيف الصحفي: «"إلدورادو" جديد، بفضل 60 دولار من احتياطي العملة الصعبة، يظهر بوقاحة وغطرسة العافية المالية التي سمحت بها الارتفاعات المتتالية التحتية، كلها أمور تظل شاخصة للعيان» . ويتجلى إهمال الدولة ولا مبالاتها فيما يتعلق كذلك بأمن الساكنة الذين يبقون فريسة للإرهاب واللصوصية: " تزايدت شكاوى أمازيغ "القبايل" من جراء تصاعد أعمال قطّاع الطرق والاختطاف للحصول على فدية، سيما استيطان عناصر الجماعات الإسلامية المسلحة المنطقة، ومن ضمنها جماعة الأمير دروكدال التي تحمل اسم القاعدة في المغرب الإسلامي" (11). ففي غشت 2009، تم قتل أربعة أشخاص في إشكالن ببلدة تادميت في قارعة الشارع على مرأى الناس الضعفاء الذين لا حول لهم و لا قوة.

في نهاية المطاف، انخرط فعلا النظام الجزائري، وعلى عدّة مستويات، للتصدي والحد من مطالب منطقة "القبايل". وتزامن ذلك مع تنظيم حملات على الصعيد الوطني والدولي.

وطنياً، أضحى التحريض على العنف ضد حركة المطالبة بالحكم الذاتي أمراً عادياً: الاعتقالات، والنفي، والسجن و" القتل غير المبرر" وغير ذلك. وغضت الشرطة طرفها عن أعمال العنف ضد السكان في كثير من الأحيان، كما اعتمدت الدولة شكلا مفضوحاً من التراخي بخصوص تفعيل القانون ضد الجرائم والمخالفات التي تعيق السير العام بالمنطقة، و التي عملت أيضاً على عزلها اقتصادياً عبر تخصيص لها ميزانية قطرة قطرة لا تغني و لا تسمن من جوع. هذه بعض مشاهد الوضع المزري الذي تعيشه منطقة "القبايل" حالياً، والتي لم تقو على البقاء قيد الحياة إلا بفضل أموال أبنائها الذين يعيشون في الشتات خارج البلاد.

أما على الصعيد الدولي، تستخدم السلطات الجزائرية كل الوسائل المتاحة (من استخبارات ودبلوماسية وتضليل عبر وسائل الإعلام..) لإفراغ مطالب "القبايل" من محتواها وفحواها. إلا أن هذه الأساليب لم تمنع السلطات السويدية من الاعتراف بقضية الحركة أجل الحكم الذاتي لمنطقة "القبايل" كما سمحت لها بفتح مكتبها بستوكهولم.

واليوم، من الواضح أن وضعية "القبايل" حرجة جدا، فإذا كانت الحركة الديمقراطية السلمية تنتظم وتحقق بعض النجاحات، إلا أن الإمكانيات الهائلة المستخدمة من طرف الدولة للتصدي لهذه الحركة بدأت تعطي ثمارها: الوضع الأمني خطير، البطالة والجريمة في تصاعد، في حين أن الاستثمارات الوطنية والأجنبية أصبحت أكثر ندرة.
وهكذا "كوكتيل ملولوتوف" قابل للتفجير في أي وقت وهدا ما وجب أن يعيه المجتمع الدولي، وبالتأكيد الاتحاد الأوروبي، قبل أن يفوت الأوان.
ESISC إيسيسك 2010
هوامش:

(1) التقرير الأولى للجنة إسعد، 29 يوليوز 2001.
(2) نفس المصدر أعلاه.
(3) نفس المصدر أعلاه.
(4) صحيفة "لومانيتي" الفرنسية "من اغتال أمزيان مهنى، نجل فرحات" 18 يونيو 2005.
(5) (ICG) Internation Criss Group «الجزائر: التحريض والطريق المسدود في منطقة "القبايل"» - تقرير الشرق الأوسط وشمال افريقيا رقم 15 بتاريخ 10 يونيو 2003
(6) منظمة العفو الدولية: «الجزائر- ثقافة الإفلات من العقاب»، الأربعاء 8 أبريل 2009.
(7) صحيفة "الوطن" الجزائرية -10 يناير 2010.
(8) "لوماتان": «الجزائر: يوتفليقة يقمع مظاهرة المؤيدين للحكم الذاتي لـ "القبايل" – 13 يناير 2010».
(9) نفس المرجع.
(10) صحيفة "ليبرانسون": «الجزائر والغضب في الحياة اليومية»- 15 يونيو 2006.
(11) "صحيفة "ليبرانسون": "القبايل" تقاطع بوتفليقة " – 7 أبريل 2009.
Read More | علق على هذا الموضوع

المسرحية الأمازيغية "أعيش أباغور": نبش في ذاكرة الوجع والانعتاق

Written By آفر برس on الخميس، 10 مارس 2011 | الخميس, مارس 10, 2011

الخميس، 10 مارس 2011

جمال الدين الخضيري

توطئة
في إطار فعاليات المهرجان الجهوي الثامن لمسرح الشباب، عُرضت بالمركب الثقافي بالناظور يوم 04 مارس 2011 المسرحية الأمازيغية" اعيش أباغور: فليعش باغور"،لنادي مسرح الشباب بأزغنغان، وهي مسرحية من تأليف الأستاذ عبد الواحد عرجوني، ومن إخراج جماعي للنادي. تستند المسرحية على حكاية أمازيغية متداولة في الريف، مرتبطة أساسا بقلعة "ثازوضا" التاريخية، وبحاكمها المستبد المسمى"باغور"، الذي عاث في هذه القلعة فسادا وسام أناسها الذل والهوان حتى تم التخلص منه، وهي من الحكايات الشعبية الرائجة في المنطقة، تتداولها الألسن، وترويها الجدات ، حتى غدا باغور في المخيال الشعبي الأمازيغي رمزا لكل ظالم مستبد. ولمزيد من الاطلاع يُرجع في هذا الصدد إلى الكتاب القيم لكل من يوسف السعيدي وعبد الوهاب برومي الموسوم ب" إقليم كرت: التاريخ والثقافة"، وهو كتاب يشير إلى هذه الحكاية الشعبية ويسرد متنها كما هي متداولة لدى الساكنة المتاخمة لقلعة ثازوضا المندثرة، كما يحاول الكتاب أن يربط الحكاية بسياقها التاريخي، وعرض الاسم الحقيقي أو المرجّح للحاكم "باغور". فما هي أهم القيم الفكرية والجمالية التي دافعت عنها المسرحية؟ وإلى أي حد استطاعت أن تقدم فرجة مقنعة ومتناغمة، لا سيما وأن الجو الطاغي على المهرجان هو جو التباري وفرض الذات؟

المكونات الفكرية
تبدأ المسرحية أحداثها انطلاقا من بروز شخصية الراوي الذي يظهر على الركح، ساردا حكاية "باغور"، إذ يُقرّ أنه لا يعرف من أين سيبدأ هذه الحكاية، نظرا لتشابكها، ولكونها مدونة في ورقة قابعة في أحد الصناديق المسيّجة بالقضبان. وهو الأمر الذي دفع به إلى كسرها، ومن ثم إماطة اللثام عن الحكاية، ونفض غبار النسيان الذي علق بها، وكأن هذه الحكاية، وهذا التاريخ الذي ترويه أُريد له أن يبقى مُغيّبا ومحاصَرا. وبانتشال الورقة من غَيّابة سجنها، تبدأ أحداث المسرحية، ويُصرّح الراوي أنه أفلح في التوصل إلى بداية الحكاية، وإن كان لا يدري في أي خانة سيصنفها: هل تنتمي فعلا إلى حقل الحكاية(ثحاجيت)، أم إلى القصة (ثقصيصت)، أم إلى التراث (أمزروي). والظاهر أن الراوي بهذا أراد أن يقول إن أحداث هذه المسرحية منفلتة عن قضية التجنيس، ولا يمكن أن يختزلها الفن عموما، وهي أكبر من التراث على رحابته، فهي الواقع نفسه في أبعاده المختلفة وأزمنته المتداخلة. فالمسرحية تشعرنا بأنه لا يوجد فصل بين الوهم والحقيقة، أو العام والخاص.
تُظهر لنا المسرحية شخصية باغور محمولا على كرسي، يسبقه حراسه ممتشقين سيوفهم، وجاريته تحمل مروحة تذُبُّ عنه، لتبدأ طقوس التقديس المرفوقة بالموسيقى والرقصات الاستعراضية. وهكذا يتم إضفاء هالة من التعظيم على باغور شأنه في ذلك شأن كل المستبدين. وبعد مشهد تقديم (الحاكم/ باغور) تنتقل بنا المسرحية إلى مشهد آخر، إذ على نقرات طبل المنادي أو البرّاح، الذي هو شخص الراوي نفسه المتقمص لأكثر من دور، ينادي أناس "ثازوضا" حاثا إياهم على الحضور واستقبال الحاكم في لهجة متوعدة، وإلا فإن أي غائب أو ممتنع عن الانصياع للنداء سيكون مُلْزما بأداء غرامة. وأثناء حضور سكان "ثازوضا" أمام مجلس باغور، يقوم بمخاطبتهم مبجّلا نفسه، ومبينا أنه (الكبير، والعارف، والفاهم، والملك،...)، لذا فإنه يخلص إلى أن "ثازوضا" تُخْتزل في باغور، والعكس صحيح. فالحاكم هنا محيط بالمكان، كما أن المكان دال عليه ضرورة، أي أن العلاقة وجودية بينهما، في حين أن الآخرين(الرعية) هامشية وتقوم على خدمتهما، لا سيما وأن باغور يُجْبِر كل شهر فردا من أقوى أفراد القلعة على حمله، واستعماله مطية يمتطيها ويجول بها البلاد، وليس هناك منزلة أعظم من هذه في العبودية والإذلال، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل سيختار إحدى حسناوات القلعة ويتزوجها عنوة. وهذا ما سيخلف استياء عارما، وصدمة قوية لأم الفتاة التي ناشدت السكان تخليص ابنتها من المستبد الذي يفعل ما يريد دون رادع له، ويبطش برعيته كيفما يشاء.
ولقد أضفت المسرحية على شخصية باغور طابعا كاريكاتوريا، فغالبا ما لا يحسن الكلام والتعبير عن حاجياته، وهو الدور الذي يضطلع به خادمه/ حاجبه نيابة عنه، وهو ما يدفعه إلى اللجوء إلى لغة الإشارات والإيماءات.
ويتأزم الوضع أكثر بتزوج باغور بالحسناء، وإقامة الطقوس الاحتفالية، وانخراط الرعية في الرقص والغناء بأهازيج محلية ومعبرة(رالا بويا). وفي الوقت الذي اعتقد فيه الكل ألا أحد بإمكانه أن يقف في وجه سلطة الحاكم القاهرة، سيظهر أخ الفتاة"أهمّار" حاملا سيفا يريد الثأر لأخته، ويسعى لقتل المستبد، وهكذا يدخل في عراك معه. وفي الأخير يتمكن من غلبه، إلا أنه لم يقتله بل سيأسره، لنرى مشهدا آخر، وهو مشهد قبوع الحاكم "باغور" وراء القضبان ومحاكمته وتذكيره بجرائمه المروعة والماحقة في حق شعبه. وسيتم التركيز في هذه المسرحية على أجواء المحاكمة الجماهيرية للحاكم، ليصبح الشعار المتردد في أرجاء الركح (الموت لباغور)، وهو شعار يردده كل سكان "ثازوضا" الحاملين لمعاولهم ولآلياتهم الفلاحية، وهذا يدل على أن رفض الحاكم لم يكن من قبل شخص واحد بل من طرف رعية بأكملها. و"أهمار" ما هو إلا الشرارة الأولى التي تصدت للطاغية، الذي كان عقابه المستحق في الأخير هو الإعدام شنقا جزاء لما اقترفته يداه.
ويظهر الراوي من جديد خاتما هذه الحكاية ومشيدا بها، مشعرا الجمهور أنهم بصدد تتبع أحداث حكاية غناها المغنون وتواترت خلفا عن سلف.
فالمسرحية دائرية تبتدئ من حيث تنتهي وتنتهي من حيث تبدأ. كما أنها تبدأ بالقضبان وتنتهي بالقضبان. فالقضبان الأولى منصوبة حول الحكاية، لكنها صغيرة وقابلة للتحطيم أمام عظمة الحكاية وقوتها، وغير قابليتها للمصادرة. أما القضبان الأخرى المحاطة بالحاكم، فهي تمثل سطوة الزمن نفسه أمام زهق الباطل، وهي النهاية الحتمية للظالم وغلبة الخير للشر. فالقضبان الأولى شاذة مثل لبنة وُضِعت في غير مكانها، في حين أن القضبان الثانية طبيعية واحتوت من هو أجدر بالاحتواء داخلها كلبنة أُرْجعت إلى مكانها الأصلي.
ولعل ثنائية الحياة والموت من الثنائيات المهمة في هذه المسرحية، وهذا ما ترسخه منذ الوهلة الأولى عتبة العنوان الموسوم ب" فليعش باغور". فالمسرحية تؤسس لغواية تستفز المتلقي، وتشي بشخصية بطلها، داعية له بالدميمومة والاستمرارية، ولكن في الوقت نفسه يبقى العنوان منفتحا على نقيض المعنى الظاهري الذي يشير إليه، وكأن هذه الدعوة للحياة والمجد لباغور الطاغي قدْحٌ ونفي لها. والعنوان يضمر تتمة له، أو فراغا يتطلب ملأه من قبيل"فليعش باغور مادامت رعيته ميتة"، الذي استحال فيما بعد وبالملموس ومن خلال تطور أحداث المسرحية " فليمت باغور مادامت رعيته حية". فهاتان الحالتان أضفتا على المسرحية صراعا دراميا محتدما.

المكونات الجمالية
بالقدر الذي كانت فيه المسرحية طافحة بقضايا فكرية وسياسية (الارتباط بالأرض، رفض الاستبداد، الدعوة إلى المقاومة،...) كانت كذلك تعج بعدة تقنيات وأساليب جمالية وفنية، فكل شكل يحمل في جوفه مضمونه كما يقال.
فالبناء المعماري للمسرحية يبدأ بالبرولوغ (الاستهلال)، وهو ما مثله الراوي بتقديمه للأحداث، وكشفه عن الحكاية الشعبية باعتبارها مرجعية للانطلاق، ومادة للتمسرح. كما ينتهي ب إبيلوغ(الخاتمة)، الذي هو عبارة عن خطاب إجمالي، يبين الخط النهائي الذي آلت إليه المسرحية، ولقد قام بهذا الدور أيضا الراوي، الذي أنهى حكايته وأشاد بها.
أما أحداث المسرحية التي هي عبارة عن مشاهد متداخلة، فهي متسلسلة بشكل غير متقطع، لا زمنيا ولا مكانيا، ودون خرق للوحدات الثلاث (الزمن، المكان، الحدث). فالأحداث تتطور عارضة المشكل في البداية، ثم تأزيمه وتذليل العقبات بعد ذلك.
فالحبكة متسلسلة تسلسلا منطقيا (عرض أفعال إنسانية، ظهور أزمة وتطورها، الدخول في صراعات نفسية ومادية ، حلول لهذه الأزمة وانتفاء للصراع بغلبة طرف على آخر).
فبخصوص وحدة الفعل نجد المسرحية تتحكم فيها قصة أو حكاية واحدة من غير مضاعفة للأفعال أو تطعيمها بحكايات أخرى جانبية. وبتمعننا في وحدة المكان نلاحظ أن شخصيات المسرحية غالبا ما تتحرك في مكان واحد وهو فضاء القلعة أو باحتها، ودونما إحالة إلى أمكنة أخرى ولو على مستوى التلفظ أو الإشارة. ففي فناء القلعة دارت معظم الأحداث، ويرى الدارسون أنه عندما يتعلق الأمر بفضاء مفتوح وساكن للقلعة أو القصر فإنه يشكل مكانا مثاليا لكشف الأسرار الخاصة والعامة وإفشاء الحقائق، وهذا ما وقع مع باغور وفضائحه إزاء شعبه.
أما وحدة زمن المسرحية، فهو زمن لصيق بالحكاية وأحداثها ومرجعيتها التاريخية إبان قيام فترة حكم خاص بحيز جغرافي يطلق عليه "ثازوضا"، منفلت وثائر عن الحكم المركزي في المغرب آنذاك. وزمن الحكاية مرتبط بفترة حكم "باغور" الاستبدادي ذي الطابع الأسطوري. لكن رغم محدودية زمن المسرحية، فإن أحداثها قابلة للتعميم، لأن الاستبداد واحد، والشخصيات الطاغية تتكرر في جميع الأزمنة. فكما هو معلوم فالارتداد إلى الزمن الماضي (توظيف التراث) ليس غاية في حد ذاته، وإنما هو وسيلة لربط الماضي بالحاضر، وطرح قضايا معاصرة في قالب تاريخي.
ولقد سعت المسرحية إلى توظيف ديكور مرن يحدد موقع الأحداث ومنطقة الأداء دون بذخ أو التزام بالدقة التاريخية بكل تفاصيلها. فالديكور عبارة عن ستارة معلقة في فوندو الخشبة مرسوم عليها القلعة بأسوارها والتضاريس المحيطة بها، فهي اقرب إلى اللوحة التشكيلية، لذا فإن فعل الدخول والخروج لم يكن يأتي من هذه الستارة/الحاجز، أو من أحد أيقوناتها المشيرة إلى منافذ وأبواب معينة، بل كان في الغالب الأعم آتيا من يمين أو يسار الخشبة. وهذا ما يجعلنا نعتقد أن الديكور الموظف في هذه المسرحية والدال على المكان يحيل إلى فضاء كلي، ذي طابع محايد وقابل للتعميم. كما أن هذا الديكور مركب ومتعدد الوظائف، إذ تم طََوْي هذا الستار الحاجز وتحويله إلى سجن وُضِع فيه في نهاية المسرحية المستبد(باغور). هذا فضلا عن ديكور آخر ظرفي ومتنقل، وهو مرتبط بالمهمات المسرحية، لكنه جد مهم ومعبر. فالإعدام يستلزم أدوات لذلك (المشنقة)، والعراك يقتضي (السيوف). وعلى العموم فإننا يمكن أن نميز بين صنفين من هذه الأدوات: أدوات في خدمة باغور وتسعى إلى تمجيده من قبيل(الكرسي، الطبل، المزمار، المروحة، القفة، الكيس،...)، وأدوات قوضت أركان قلعته وعجلت بنهايته من مثل( السيف، السجن، المشنقة،...).
ولأن المسرحية تحمل تكثيفا دراميا وصراعا بين الخير والشر، فإنها ميزتها حركات متنوعة، يمكن تلخيصها في الآتي:
- حركات إيمائية إشارية دون تلفّظ مصاحب، في مشهد باغور مع حاشيته، وهو مشهد أقرب إلى البانتوميم، حيث نابت حركات الممثلين عن الكلام، ولعبهم كان صامتا لكن معبرا.
- حركات القتال والعراك في مشهد المبارزة بالسيوف بين "باغور" و"أهمار".
- حركات راقصة تعتمد على بلاغة الجسد، باعتباره نصا دراميا موحيا، وله قدرة كبيرة على التواصل وتحقيق المتعة للجمهور. والحقيقة أن الجانب الكوريغرافي الراقص والمتماهي مع الموسيقى كان حاضرا منذ بداية المسرحية. ولقد تجلى هذا في الحاشية المرافقة للحاكم التي مارست طقوسا راقصة بالسيوف بشكل متناغم، وتَرسّخ أكثر في الرقصات المصحوبة لأهازيج (رالا بويا) التراثية، أثناء الاحتفال بعرس باغور، وهي رقصات جماعية مؤثرة تَجاوب معها الجمهور كثيرا.
- حركات عادية(التعبير المادي المحسوس للجسم)، المركونة إلى نظام من الدلالات والإشارات البدنية والصوتية المتبادلة بين الممثلين، وهي متنوعة نقتصر على اثنتين منهما:
- حركات خاضعة تدل على الخنوع كالانحناء والتقهقر، وتنم عن تبجيل شخص، كما وقع مع الطاغية باغور، إذ تنْحني له حاشيته وتحمله على الأكتاف.
- حركات متسيّدة، تدل على السيطرة والجبروت، وهي حركات باغور نفسه، وإن كان طرأ تغيير على طبيعتها في نهاية المسرحية، نتيجة تطور الأحداث وانعطافها، فأصبحنا أمام جدلية السيطرة والخضوع، "فباغور" يتحول من متسلط متسيد إلى قابع في السجن، جاثم على ركبتيه، وخانع مطوق بحبل مشنقة.
لا يمكن أن تكون الحركات متطورة وجلية دون تطور موازي في أساليب الإضاءة وتنوعها، أو التقليص من مساحة الخشبة دون استعمال الإضاءة والتركيز على منطقة معينة بتصغير دائرة الضوء، كما أن سرعة الإضاءة المصاحبة لمختلف أنواع الحركات، من أنجع مكونات العرض المسرحي في تشكيل الإيقاع الدرامي. إلا أن الملاحظ في هذه المسرحية أن الإضاءة كانت في مجملها ثابتة، ولم تعرف تنويعا في الألوان، أو تحوّلا في درجتها وقوتها حسب الحالة الانفعالية والشعورية للممثلين، فهي لم تتوَلّ التعليق على الأحداث، فانحصرت مهمتها في الانتقال من مشهد لآخر عن طريق الإظلام والإنارة.
أما الموسيقى التصويرية فكانت متنوعة، وجعلت المتلقي في بعض الأحيان مشاركا في العرض/الحفل، خاصة عندما يتعلق الأمر بالموسيقى الراقصة. وفي هذا الصدد وظفت المسرحية أغاني جاهزة محاولة التوفيق بين الموقف والموسيقى المصاحبة، والاعتماد على توليفات فرجوية وإبراز العنصر الجمالي من منظور سمعي.
ثمة ملاحظتان جانبيتان لا بد من إبدائهما ونحن نتابع هذه المسرحية:
الأولى تتعلق بالممثل الذي أدى دور "باغور"، فالظاهر أنه ينقصه في بعض الأحيان التعبير بملامح الوجه، سواء وهو ثاوٍ على كرسيه، أو وهو يجوب الركح. إذ لا نجد تنغيما كبيرا فيها حسب تبدل المواقف. فهي شخصية نمطية في تعبيراتها، ولم تتجاوب كثيرا مع تطور الأحداث نفسيا وجسديا.
الثانية ترتبط بالتركيب الدرامي الذي كان مُتقنا، وعرفت أحداثه وتيرة تصاعدية ومتنامية عضويا، ولكن مع ذلك وفي اعتقادي الشخصي، فإن مشهد المواجهة بين "أهمار" و"باغور" قصير جدا، وتم القفز عليه بسرعة، وهو بؤرة المسرحية، وتحولها نحو مصير آخر، فكان من الأفضل أن يدوم دراميا أكثر، ويمتد هذا الصراع على مستوى المواجهة اللفظية، وتذكير "باغور" بمجازره في هذه المواجهة، أي يجب أن يكون هناك تراشق كلامي بين الشخصين لينتهي الأمر بالمبارزة، وليس تأجيل ذلك إلى مشهد المحاكمة. وهذا أكيد أنه كان سيجذب المتلقي أكثر لأنه يخلق عنده ما يسمى في اللغة المسرحية بالتوتر، ويجعله يتوقع نهاية معينة أو يتمناها، والتوتر الدرامي الناجح هو الذي يتعلق بتفاصيل الأحداث وليس بالنهاية.

الخاتمة
تمثل مسرحية "اعيش أباغور" تجربة جرّيئة ومتميزة في التعامل مع التراث،جماليا ودلاليا، إذ ارتدّت إلى الذاكرة الشعبية الأمازيغية وتمكنت من استثمار لحظاتها المشرقة وصفحاتها الخالدة، مركزة على قيمة الإنسان الامازيغي التائق إلى الحرية والرافض للظلم، مبينة خصوصيته وتقاليده. ورسمت المسرحية في تقديمها للأحداث خطا واقعيا وواضحا لم يركن إلى أي انزياح دلالي، ولم تعمد إلى خلق صدمة أو دهشة في تغيير مسار المأثور الشعبي الذي اتكأت عليه. ولعل الرهان المهم الذي كسبته فرقة نادي مسرح الشباب بأزغنغان هو الكشف عن طاقات موهوبة تعِد بالكثير في مجال التمثيل والفرجة والإبداع عموما. وبهذا استطاعت أن تنجز عرضا ممتعا تجاوزت به حدود زمانها ومكانها المقترحين، ونجحت في جذب جمهور واسع أسَرَتْه طيلة مدة الفرجة المُقدَّمة.

Read More | علق على هذا الموضوع (3)

مقابلة مع العقيد " ازرو انفوسي"

Written By آفر برس on الثلاثاء، 8 مارس 2011 | الثلاثاء, مارس 08, 2011

الثلاثاء، 8 مارس 2011

ليبيا اليوم
العقيد ازرو انفوسي (وهو اسم حركي لدواعي امنية) كان من اوائل المخططين والمنظمين لثورة الشعب الليبي المظفرة، ثورة 17 فبراير المجيدة، حيث شارك في الاعداد والمساهمة في عمليات الثورة قيادة وتنفيذا، ونظرا لتعرضه لمحاولات اختطاف واغتيال من عصابات نظام القذافي الارهابي، خرج من ليبيا تهريبا ليتمكن مع زملائه المناضلين في الخارج في اسناد الجهد النضالي للثورة داخل الوطن. وفي هذا الاطار تم اجراءه المقابلة معه.

- هل من تعريف مختصر عنك؟
• عقيد، متحصل على بكالوريوس العلوم العسكرية بدرجة امتياز اوائل الثمانينات، وعدة دورات قيادية في تخصصي اجتزتها بامتياز.

- هل شاركت في عمليات حربية؟
• نعم، شاركت في عملية تحرير قطاع اوزو، الذي سلمه النظام لتشاد بعد تضحيته بأرواح الالاف من الجيش الليبي وخذلانه لألاف من الاسرى والجرحى من رجال ليبيا الابطال.

- لعلمي انك سرحت من القوات المسلحة سنة 2005 او 2006، فما هي الاسباب وراء ذلك؟
• انت تعرف، بأنني انتمي لأسرة مناضلة ضد الفاشي القذافي، تعرض افرادها للسجن والعقوبات الجماعية، وهذا سبب وراء المضايقات. ومن الاسباب الاخرى، شعوري كباقي منتسبي القوات المسلحة الليبية بالغضب والاهانة التي سببها سلوك وجبن وخيانة معمر القذافي لكرامة الجيش الليبي، كما انني تعرضت للتحقيق والاستدعاءات واحلت في النهاية على التقاعد.

- هل تذكرني بحادثة مجلس التحقيق في التسعينيات؟
• لقد تم تشكيل مجلس عسكري للتحقيق معي بتهمة رفض الاوامر بالتوجه الى الجبل الاخضر للهجوم على اخوتنا واهلنا هناك في سنة 1996، ولقد تعللت بأسباب صحية ومرضية. لأنني، كمبدأ، ارفض ان اوجه بندقيتي على اهلي وابناء وطني، وذلك كان كل ما اقدر عليه في ذلك الوقت والظرف. وفي سنة 2002، تمت التحقيق معي مرتين امام مجلس عسكري ايضا، بتهمة اهانة اعضاء اللجان الثورية واتهامهم بالإفساد والفساد، واتهمي بأنني عنصر يشكل خطر على النظام.

- ما علاقتك بالمؤتمر الليبي للأمازيغية؟
• علاقاتي بقيادات المؤتمر الليبي للأمازيغية تعود لسنوات النضال من الداخل قبل تأسيس المؤتمر، واتصالاتي وتعاوني بهذه القيادات استمر منذ تأسيس المؤتمر حتى اليوم، ونظرا لدواعي العمل النضالي الامنية لم اعلن عضويتي، واليوم فانا عضو بهذا المؤتمر. واعتبر نفسي مشاركا في كل مراحل عمل المؤتمر.

- هل كان لك دور في ثورة17 فبراير، وما هو؟
• انا من منطقة جبل نفوسه، ومن احد اهم حصونها الثائرة. فدوري بدأ منذ الاعلان وتحديد موعد الثورة في 17 فبراير عبر التخطيط والتحفيز والاتصال والتجميع والتنسيق بين الشباب والمجموعات والمناطق المجاورة. اضافة الى اشتراكي التوجيهي والميداني في اعمال التظاهر والسيطرة على ارض الثورة في المنطقة. كما، انني بحكم خليفتي العسكرية وعلاقاتي الجيدة نجحت في اقناع العسكريين بمعسكرات المنطقة بالتسليم والانضمام للثورة دون مواجهات واراقة دماء غالية. وايضا، شاركت في جهد التنسيق وتبادل الاسلحة التي غنمها الثوار، مع تركيزي على حث شباب الثورة على عدم استخدام السلاح الا في حالة الدفاع عن النفس والثورة ضد عصابات القذافي ومرتزقته.

- ما هو سبب اضطرارك لترك ميدان الثورة، واللجوء للخارج؟
• نظرا لنشاطي ودوري في الثورة فلقد تعرضت لمحاولتي استدراج واختطاف واغتيال من قبل مجرمين عتاة اخرجهم النظام من السجن الجنائي لاختطافي وتصفيتي، مقابل ان يعفو نظام القذافي المجرم عنهم، حيث تبين فيما بعد بانهم من المحكوم عليهم بأحكام ثقيلة في جرائم جنائية تصل لمدد تتجاوز العشرين سنة سجن، وبعد التنسيق والتناصح مع قيادات الثورة في المنطقة الذين اشروا بضرورة خروجي من ليبيا ومساندة الثورة من الخارج.

- كيف كانت رحلة خروجك من ليبيا؟
• طبعا، عناية الله والتوكل عليه كانا في رفقتي والحمد لله. الرحلة كانت شاقة ومليئة بالمخاطرة لترصد وانتشار اعوان النظام ومخبريه. ونظرا، لوظيفتي العسكرية والعلاقات الطيبة مع الاهالي في كل الجبل وبفضل مساعدة الثوار في المناطق المحررة، ومع التنكر في هيئة كهل بعكاز ينشد العلاج في الخارج، نجحت في الخروج عبر منفذ حدود نأي.

- اعرف انك مجهد ومشغول، وكسؤال اخير اليوم، ما هو دور القوات المسلحة في المستقبل؟
• اولا، دورها الان ان تلتحم مع ثورة الشعب لتقصر عمر النظام وتقلل من ضحايا الاجرام القذافي، اما في المستقبل فدورها هو الحرص وحماية وسلامة التراب الوطني، ومساندة التحول الديمقراطي السلمي واحترام الحريات وحقوق الانسان وعدم التدخل في العمل السياسي.

- اخ انفوسي، نشكرك ونقدر جهدك ونضالك وتضحياتك الوطنية، ولنا عودة في لقاءات اخرى واعمال نضالية فعلية، فليبيا في حاجة لك ولأمثالك من الابطال. دمت، وعاشت ليبيا والنصر لثورة الشعب الليبي.
• شكرا، يد بيد او كما نقول بالأمازيغية "افوس اقد فوس" سنحرر ليبيا من الطاغية ونعيد بناء ليبيا الحلم معا.

اجرى اللقاء ادرار نفوسه (ابراهيم قراده)
Read More | علق على هذا الموضوع

كل شيء عن منطقة أزواد

Written By آفر برس on الاثنين، 28 فبراير 2011 | الاثنين, فبراير 28, 2011

الاثنين، 28 فبراير 2011

ansary.jeeran.com
بطاقة الحياة اليومية في أزواد
ـ يستيقظ أهل أزواد مبكرا،فيبدأ الرجل بتعهد الحيوانات(المواشي)وتبدأ المرأة بالأعمال المنزلية الخاصة
ـ أما الأطفال فهم أداة لتبليغ الرسائل،وأداء المهمات الخفيفة
ـ عند طلوع الشمس تعد المرأة السويق أو الجريش (من أنلي) للإفطار
ـ يحلب الرجل بقايا شياهه التي لم تحلب كاملة البارحة
ـ تجتمع الأسرة على الجريش،وتقسمه،كل يأخذ حصته،والنساء بالطبع أكثر
ـ يجمع الرجل شياهه بمساعدة أولاده،(الحمير والشياه ثم تجهز الدلاء والقرب) استعدادا للورد على البئر
ـ ينطلق الرجل بأكبر أولاده إلى البئر،وكلهم نشاط وحيوية
ـ ها قد وصلوا إلى البئر، تقسم الحيوانات على الطريقة التي تسقى بها:
الشياه أولا ثم الحمير ثم الأبقار وهكذا،ويؤخذ من الإبل فحل قوي يربط عليه الدلو للسقي،فإن لم يوجد اختير أقوى حمارين أو ثلاثة فربط عليهما؛ثم ينقسم الأفراد: شخص يقود الحيوان الذي يجر الدلو،وآخر يدلي بالدلو في البئر،وثالث أورابع معه يفرغان الدلو في الأواني وخامس يذود الحيوانات عن الماء ولا يطلق منها إلا ما عليه الدور فقط في تنظيم دقيق
ـ بعد شرب الحيوانات كلها تملأ القرب من الأواني
ـ يرجع الكل إلى البيت ،إلا الراعي فإنه يواصل الرعي بالحيوانات
ـ يصل الرجل بالماء في القرب فيستقبله الكل بالفرحة والسرور،فينهلون من هذا الماء العذب الذي طالما انتظروا مجيئه
ـ النساء كن يطحنَّ أنلي طول فترة الورد
ـ قد أكملن واجبهن،وهن الآن في إعداد الغداء التقليدي(عصيدة أنلي)
ـ يقدم الغداء للرجل،ويؤدمه بما حضر(لبن أو حليب أو لحم أو دهن أو لا شيء كل بحسب مرتبته)
ـ بعد الغداء يقيل الكل حتى يبرد الوقت
ـ بعد صلاة العصر يبدأ الرجل النظر في كل الجهات تحسبا لاطلاع الحيوانات عليهم،فيبدأ بإبعاد الجديان حتى لا يرضعوا
ـ يتلقى الحيوانات ، كما يلاقي الحبيب حبيبه، فتراه يستعمل ألفاظ الشفقة والرحمة في مخاطبتها: مسكينة نعجتي الصفراء إنها لم تأكل شيئا اليوم!!! وهكذا
ـ يقوم بإيداع الجديان الحائط الشوكي المخصص لهم
ـ بعد صلاة المغرب يبدأ الرجل حلب الحيوانات
ـ تبدأ المرأة بإعداد الفرش التقليدية أمام البيت للسمر
ـ يتقسم الناس في الحلب على مجموعات: الحلابون،والحراس على الجديان،والوسطاء الذين يخرجون الجديان إلى امهاتهم
ـ ينتهي الحلاب،فيتعشى كل بنصيبه من الحليب
ـ يستسلم الناس لظلمة الليل،فيعم الهدوء والسكون
ـ إذا استراح الرجل قليلا فإنه يذهب للبحث عن حيواناته الضالة اليوم
ـ ينام الأطفال وتسمر النساء مع جاراتهن
ـ أما الرجل فما زال يجوب الفيافي بحثا عن نعجته التي ضلت عليه عند المنعطف الذي يؤدي إلى البئر

نبذة عن حياة قبائل المنطقة
إن أزواد منطقة واسعة يقطنها قبائل الطوارق أو الملثمين ويسمون أيضاً الرجال الزرق، والذين يعيشون كبدو رحل في الصحراء الافريقية الكبرى، والذين ما زال معظمهم يحافظ بإخلاص على عادة اللثام المطبق للرجال لحد لايسمح بخروج أكثر من أهداب العينين، في حين ان المرأة في الأغلب الأعم سافرة لا تغطي رأسها. لكن من هم الطوارق؟ وما هي مناطق تواجدهم تحديداً؟ وما الذي يميزهم عن غيرهم من البربر؟ ومن أين جاءوا بهذه العادة الغريبة عن جميع الشعوب العربية والإسلامية التي هم جزء منها؟ ثم ما هي أهم عاداتهم؟ ومظاهر ثقافتهم؟

يسود اعتقاد خاطئ لدى العامة في المغرب الكبير، بأن كلمة الطوارق مشتقة من اسم طارق بن زياد الفاتح العربي المسلم، وسبب اللبس أن طارقاً يعود لأصول بربرية، وبدو الطوارق بربر كذلك، الحقيقة أن هذا هو وجه العلاقة الوحيد، فالطوارق لايسمون أنفسهم بهذا الاسم الذي يطلقه عليهم غيرهم فقط، وانما يتسمون »تماشق« أو »تمازغ« وهي نفسها عند غيرهم من البربر »أمازيغ« ومعناها »الرجال الأحرار« أما كلمة طوارق العربية، وتنطق محلياً »طوارق« فهي مشتقة من »تاركة« وهو اسم كان يطلق على منطقة فزان بليبيا الآن، وهي منطقة كانت ولا تزال أحد أهم أماكن تواجد الطوارق وجميع الطوارق مسلمون على المذهب المالكي، ويتحدثون بلهجتهم البربرية التي هي أصلاً احدى اللهجات العروبية القديمة، وقد تأثرت هذه اللهجة أكثر بالعربية القرشية مع استضاءة المنطقة بنور الإسلام، وما زال التأثر والتأثير في ازدياد أكثر فأكثر مع تزايد تبني الطوارق للثقافة العربية الإسلامية وتختلف تقديرات سكان الصحراء الافريقية من الطوارق بين عدة ملايين ومليون ونصف حسب أقل التقديرات، ويمكن تقسيمهم جغرافياً، إلى مجموعتين رئيسيتين تقطنان المنطقة من خط الطول 3 إلى 9 وخط العرض 14 إلى 27 بالصحراء الكبرى وهما:

أ- طوارق الصحراء وهم المتواجدون في الجنوب الجزائري ومنطقة فزان بليبيا وأهم قبائلهم الهقار أو »كل هغار« كما يسمون هم القبيلة دائماً ببادئة »كل« أي »أهل« أو »بنو«، وأيضاً كل آجر في صحراء الجزائر، وبالتحديد بمنطقة جبال الهقار، ثم إيمنغاسن وأوراغن وكل آجرفي فزان، وسكان مدينة غدامس الليبية عند نقطة الحدود مع كل من تونس والجزائر

ب - طوارق الساحل وهم بالأساس قبائل كل آيير بصحراء تنيري، وكل يلمدن بمنطقة غاوة بالنيجر، وكل إيترام وكل آدرار من إيلمدن المتونة«، وكل تدمكت حوالي ثومبوكتو ومنعطف نهر النيجر بمالي، وقبائل أخرى كثيرة مثل كل أنصار (الأنصار) وكل لغل، وكل السوق (التجار) وكل غزاف وغيرها في منطقة أزواد وآدرار ايفوغاس بجمهورية مالي المسلمة

وكل هذه القبائل تشترك في نفس الثقافة، وفي نفس اللغة الأمازيغية التي كانت تكتب خاصة في الجنوب، منذ أقدم العصور بالحروف الفينيقية أو كما يسمونها هم »التفيناق« ومعظمهم عند سؤالهم عن أصلهم يقولون انهم من حميرة من اليمن، وهم محاربون أشداء معروفون وقد اشتهر فرسانهم في الفتوحات الإسلامية، وفي عهد المرابطين خاصة، وكانوا هم الجهد الرئيسي للجهد الإسلامي في معركة الزلاقة بالأندلس، وملامحهم عربية جنوبية واضحة، وإن وجد منهم من يميل إلى السمرة الشديدة بحكم الاختلاط بالعناصر الإفريقية المسلمة في الجنوب كقبائل الهوسا بالنيجر، والماندينغ والفولاني في جمهورية مالي، التي قد تمتد منها أحياناً إلى شرق موريتانيا أيضاً التي بها لهم وجود محدود.

درج المؤرخون والرحالة العرب القدامى على تسمية الطوارق بالملثمين والسبب الأساسي في ذلك هو محافظتهم الشديدة على هذه العادة منذ فجر التاريخ، حيث يغطي الرجل رأسه بعمامة من القماش الأسود في الغالب، يلفها حول رأسه بإحكام عدة لفات حتى لايظهر من وجهه سوى أهداب عينيه بالكاد، ليرى بهما فقط، وعلى الرجل أكثر من ذلك أن ينام بهذه العمامة، وألا يضعها في وقت من ليل أو نهار، وإذا كشفت لمعة واحدة من وجهه، لظروف خارجة عن إرادته، فتلك الفضيحة التي ما بعدها فضيحة عند الطوارق، وأكثر من ذلك عليه أن يدخل يده من تحت اللثام إذا كان يأكل، وأن ينزوي في مكان مستور إذا أراد الوضوء أو التيمم وتذهب بعض الروايات القديمة إلى أن الطوارق كانوا إذا خاضوا حرباً وسقط أحد الفرسان ـ ولأسباب تتعلق بالمعركة ـ وسقطت عمامته، وانكشف وجهه أمامهم فإنهم لا يعرفونه، حتى أقرب أصدقائه لأنهم لم يروا وجهه مطلقاً، ويكون الحل أن يعيدوا لثامه وعندها يعرفونه تلقائياً. وتختلف التفسيرات المقدمة لعادة »حجاب الرجال« هذه، فالطوارق أنفسهم يفسرونها بأسطورة جميلة، مفادها أن أكبر قبائلهم ذهب رجالها مرة غزاة يريدون العدو، فجاء العدو من بعدهم إلى خيامهم، ولم يكن بالخيام إلا النساء والأطفال، ورجل مقعد هرم مسن لكنه حكيم، فأمر ذلك الحكيم النساء أن يلبسن ملابس الرجال ويتلثمن بالعمائم، إخفاء لأنوثتهن وعندما فعلن ذلك ووقفن وجهاً لوجه مع العدو وبأيديهن السيوف والفؤوس في هذه اللحظة ظهر رجالهن فجأة عائدين لأنهم لم يجدوا العدو وهاجموا الأعداء من الخلف، في حين هاجمته النساء أيضاً وأصبح بين كماشتين وانهزم العدو، وانتصر الطوارق ومنذ ذلك اليوم يوم الملحمة المجيدة آل الطوارق على أنفسهم ألا يضعوا اللثام عن رؤوسهم أبداً تخليداً لهذه الذكرى كما أن ثمة تفسيرا ايكولوجيا بيئويا ربما يكون أقرب إلى العلمية وهو أن الظروف المناخية القاسية للصحراء الإفريقية الكبرى هي السبب الأساسي للثام الطوارق ذلك ان العواصف الرملية والأتربة تملأ جو الصحراء فترة طويلة من العام لذا استلزم الأمر من الطوارق ومن غيرهم من سكان المنطقة أن يتعمموا اتقاء للغبار والزوابع الرملية كنوع من التكيف مع بيئتهم تماماً مثلما تحدثت المختبرات الطبية الفرنسية في السنوات الماضية عن ظاهرة غريبة أسمتها »ظاهرة دم الطوارق« حيث اكتشفت عندهم هم فقط أجساماً مضادة لمرض الملاريا المتفشي في المنطقة وهم أقدم سكانها المعروفين ولعل هذا التفسير التكيفي الأخير هو الأكثر وجاهة لمن يعرف أجواء الصحراء الافريقية الكبرى تلك الأجواء نفسها التي فرضت على الضباط الفرنسيين في فرق الهجانة الصحراويةأن يكونوا هم أيضاً ملثمين حيث أصبح اللثمام يأتيهم من مخازن وزارة الدفاع في باريس كجزء من البزة الرسمية الفرنسية المعتمدة ولن يفوتنا ان نختم هذه التفسيرات المختلفة لأسباب لثام الطوارق بتفسير طريف يربط اللثام بالحياء قدمه أبو حامد المعروف بالكاتب حين مدح دولة المرابطين التي كان أمراؤها من الملثمين بقوله:
قوم لهم درك العلا من حمير***وان انتموا صنهاجة فهم
لما حووا إحراز كل فضيلة***غلب الحياء عليهم فتلثموا
وسبب الطرافة في هذا الربط بين اللثام والحياء دقته فمن الغرائز البشرية المعروفة الميل إلى اخفاء الوجه بين اليدين عند الخجل، ونجد عادة اللثام مرتبطة بالحياء لدى عرب موريتانيا وجنوب المغرب ايضا، بل انها تعتبر من الطقوس «المقدسة» التي لا يمكن المساس بها ضمن أعراف العرس حيث يسود في هذه المناطق تقليد يقضي بأن يتلثم العريس إلى أقصى حد ممكن بعمامة سوداء خلال أيام العرس وكذلك تتغطى العروس طبعاً في ملحفة سوداء ولا يظهر من وجهها طيلة أسبوع العرس حتى لمعة واحدة وإن فعل أحد العروسين عكس هذا العرف فكشف عن وجهه اعتبر في قمة الوقاحة وكانت هذه فضيحة تدل على عدم الحياء والاحتشام
ومن المظاهر الأخرى لثقافة الطوارق المميزة ما يتعلق بأدوات الزينة والسكن والآلات المستخدمة في الحياة اليومية وفي الفنون الشعبية التي توارثونها ويعتبرونها رموزاً تجب المحافظة عليها وحمايتها من أي «غزو ثقافي» قد يتهددها بفعل موجة »التحضر« العارمة التي تجتاح المنطقة
ولعل أهم ما يميز زينة المرأة الطوارقية البساطة فهي أساساً تعتمد على بعض المصوغات والعقيق والخرز المختلف الأشكال الذي تدخل الأحجار المحلية كخامات رئيسية فيه وتختلف زينة الفتاة عن المرأة الكبيرة فالفتاة يضفر بعناية شعرها الى عدد كبير من الضفائر التي تحلى بالخرز وتتدلى على جبهتها مصوغة ذهبية في شكل التاج أو النجمة وتتدلى الأقراط الذهبية من أعلى الأذن ومن حلمتها معاً وفي هذه السن في الأغلب تلبس الفتاة دراعة سوداء فضفاضة وأحياناً زرقاء مطرزة بعناية بخيوط صفراء أو ذهبية اللون
أما زينة المرأة وهي سافرة في الغالب فهي إضافة الى بعض زينة الفتاة خلاخيل في الساقين وأساور الفضة في المعصمين وخواتم في الأصابع وقد تلبس المرأة ملحفة مزركشة ملونة بالأصباغ مثل ملا حف النساء الموريتانيات ونساء الجنوب الجزائري والمغربي والنساء السودانيات. أما الرجل فإنه يلبس دراعة فضفاضة مطرزة الجيب ويتحلى في الأغلب بخنجر أو سيف ويتفنن الطوارق في تزيين مقابض سيوفهم وأغشيتها وقد يكون المقبض من قرن وحيد القرن أو عاج الفيل وقد يرصع غلاف السيف بالفضة والذهب والأحجار الكريمة وتنحت عليه أسماء مالكية وهذا يصدق أيضاً على الرواحل والسروج والأقتاب وتختلف رواحل الطوارق التي يضعونها على ظهر الجمل عن نظيرتها عند عرب موريتانيا وجنوب المغرب في أن لها مقدمة خشبية تقي الراكب من السقوط إلى الأمام ويمكنه أن يعتمد عليها في حالة حدو الإبل السريع وكذلك مؤخرة خشبية مثبتة بسيور من الجلد القوي أما رواحل العرب فهي رباعية الأبعاد لا ثنائية حيث تحيط خشبتان بالراكب من اليمين ومن اليسار وأخريان مثل الطوارق من الأمام ومن الخلف. أما السروج والأقتاب فمتشابهة تقريباً لدى كلا الطرفين، وإن كان العرب يعطون مكانة خاصة للسروج والخيل، والطوارق أكثر اعتبارهم لإبل المهارى التي لا تكاد توجد عند غيرهم، وهي جمال بيضاء شديدة البياض، وشديدة الجمال أيضاً، وبالمناسبة فأهل الصحراء الكبرى يعتقدون أن كلمة الجمال في اللغة العربية مشتقة من الجمل، والأناقة مشتقة من الناقة، وأحياناً كثيرة، عندما يمر أحد الشعراء الشعبيين بأطلال محبو بته نجده يقف مسائلاً الطلل عن »الجمال اللي راح مع الجمال«.

ومن الأدوات التي يستخدمها الطوارق شمال الناقة وعقال الجمل، والدلو وأحياناً الشادوف لسحب الماء، وأيضاً البكرة التي تجرها الجمال لسحب الماء من الآبار شديدة العمق، ويعتمدون على اللبن واللحم والتمر كمواد قديمة في شكل معجون أو مكبوس ويدخرونها للأيام المتجهمة، ويسكن الطوارق في خيام من الجلود، ولكي تكون مريحة يدبغ جلد الماعز أو الضأن جيداً حتى يصبح كالقماش ويستخدم لذلك خروب القرظ، وتخاط الجلود إلى بعضها لتشكل خيمة ترفع بأعمدة صغيرة من أطرافها وتشد بسيور وخوالف وأوتاد وحبال حتى تكون في أحسن أوضاعها، وقد تغطى حوافها أو تنزل لحد ما إلى الأرض لمنع دخول الأتربة والرمل والعواصف والمطر.
ومن العادات الثقافية المميزة للطوارق، طريقتهم في حلاقة رؤوس الأطفال، فهنالك قبائل تحلق رأس الصبي كاملاً باستثناء عرف أي جزء من مقدمة الشعر في الرأس، وهنالك قبائل تترك قروناً من الشعر في طرف الرأس أو طرفيه معاً، على أن هنالك قبائل أخرى تترك العرف والقرون معاً، أو تترك خطاً من الشعر في شكل خط من بداية الرأس حتى نهايته يسمى (التبيب) عند عرب موريتانيا.
والحقيقة أن هذه العادة يشترك معهم فيها بعض قبائل المغرب الكبير الأخرى، ولم تختف هذه العادة من موريتانيا مثلاً إلا في العقدين الأخيرين الماضيين.
وفي الفنون تعتبر أشهر آلة موسيقية عند الطوارق آلة تشبه العود أو الجيتار تسمى »التيدينيت« وأخرى وترية أيضاً تسمى »الزركة« ثم الطبل، ويتميز الطبل بالذات بمكانة خاصة عندهم، فقد كان يلعب دور وسيلة إعلام، ويوضع عند خيمة زعيم القبيلة صاحب الحل والعقد فيها ويسمونه »أمنوكل« وتحيط به عادة مجموعة من المساعدين »إيمغاد« أما الرعايا من العامة فيسمون »إيكلان« ويتضح الدور الإعلامي للطبل من نوعية استخدامه، فإن أمر قائد القبيلة بقرع الطبل خمس مرات، فمعنى ذلك أن الحي قرر الرحيل إلى منتجع آخر من الصحراء، وإن دوى الطبل عالياً ثلاث مرات متواصلة سريعة، كان ذلك بمثابة صفارة الإنذار من هجوم وشيك للعدو، وهنالك قرعات للطبل تعني أن ثمة شخصاً تائهاً أو مفقوداً في الصحراء، أو أن عرساً قد بدأ

ماذا عن مدينة تمبكتو
في فجر القرن الثاني عشر، وعلى ضفاف البئر التي تبعد بضعة آلاف من الأقدام عن ضفة نهر النيجر، تمركزت قبيلة الطوارق. كان اسم البئر آنذاك ولا يزال تيم-بوكتو أي بئر بوكتو، نسبة إلى اسم حارسة البئر. بعد قرنين من ذلك، انقلبت الأحوال، ومن مجرد استراحة بسيطة للقبائل الرحل، أصبحت تومبوكتو مركزاً تجارياً مهماً تتدفق اليه الواح الملح من مناجم الصحارى، ومنتوجات السفانا والغابات. ومن هناك كانت تنطلق العربات الضخمة المحملة بالمواشي إلى مصر، والمحملة بالذهب والرجاب والعاج والجلد... إلى المغرب.
سبب هذه الثروة بديهي. فقد قام بائعون من مدينة دجيني التي كانت تجتذب منتوجات الجنوب وتحتاج إلى نقطة لتصريف منتجاتها نحو الشمال باستعمال مجرى نهر النيجر، وصولاً إلى تومبوكتو التي جعلوها مرفأ مهماً، والنقطة الأقرب إلى الضفة المقابلة للنهر.
عندما عاد الإمبراطور الكبير كنكان موسى نحو عام 1325، من حجه إلى مكة المكرمة، دفعته الذكرى المذهلة التي كان يحتفظ بها عن القاهرة والمدن التي زارها، إلى أعمار تومبوكتو، فبنى مسكناً وجامعاً وطور التجارة المزدهرة.
وبدأت العصور الذهبية للمدينة المنبثقة من الرمال. وتدفقت الثروات على تومبوكتو، وولدت حضارة متقدمة فيها أصول العيش والاستقبال وفنون المحادثة والحوار في الأمسيات على الشرفات، مما دفع شعراء ذلك الوقت، إلى كتابة الشعر الغنائي فيها ومنهم السادي، كاتب "تاريخ السودان" الذي كتب في القرن السابع عشر : "مدينة جذابة، نقية، رائعة، مدينة شهيرة، مقدسة، خصبة ونشطة. هو بلدي وأغلى ما أملك في العالم".
لكن الحضارة التومبوكتوية هي أيضاً العدد الضخم للطلاب الوافدين من كل بلدان العالم، والذين يتهافتون على سماع العلماء والفقهاء ورجال الدين الذي يعلمون في جامع سانكوري. وذكر المؤرخ ليون الأفريقي وجود 120 ألف طالب و180 مدرسة قرآنية في مدينة كانت تعد في أوجها، في القرن السادس عشر، 100 ألف نسمة. وقال محمود كاتي، كاتب "تاريخ الفتاش"، الذي ألفه في القرن السادس عشر: "تومبوكتو، وصلت إلى الحد النهائي من الجمال والروعة، وكانت الديانة المزدهرة فيها والتقاليد النبوية تعطي الحياة لكل شيء...".
وعندما وصل رونيه كالييه إلى تومبوكتو عام 1828، كتب : "كان بإمكان عبيد تومبوكتو قراءة القرآن، حتى انهم حفظوه غيباً، فهم يعلمونه إلى أولادهم منذ نعومة أظفارهم...".
عاش في تومبوكتو كتاب مشهورون مثل أحمد بابا المؤرخ الذي كان يملك آلاف الموسوعات في مكتبته. لكن الجزائريين، بعد معركة تونديبي عام 1591، وقبائل الطوارق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، والاستعمار في القرن العشرين، نفخوا السالف وخملت ذاكرة الناس ومحت آثار العربات تحت الرمال وزال زهو العصور الذهبية.
ماذا بقي اليوم، في تومبوكتو الغامضة، من أمجاد الماضي؟
عربة الملح للجمالين الطوارق ما زالت تنزل مرة في السنة من تاودانيك وما زال المرفأ المتصل بنهر النيجر بقناة حفرتها يد الانسان، ينزل القوارب المحملة بالبضائع الآتية من الجنوب. طبعاً لم تعد التجارة في تومبوكتو كما كانت، وتحولت الصحارى إلى بحر عدائي، وضرب الجفاف أراضى الساحل بقوة. لكن فكر تومبوكتو وإيمانها، وفخرها بكونها "الحي اللاتيني" لبلاد السودان، ما زالت تطبع بآثارها الناس والأحجار.
ها هي الطرق التي مر عليها المصلون في اتجاه مسجد دجينغريبر قائمة وكذلك المسجد الذي ما زال صامداً منذ أن أنشأه كانكان موسى في القرن الرابع عشر. انه صرح واسع مبني من ألبا نكو والحجارة. أبراجه مخروطية وشرفاته الرائعة ما زالت تستقبل المؤمنين داخل صحونها الاثنتي عشرة.
وفي الجهة المقابلة للمدينة، مسجد سانكوري الذي تؤكد التقاليد أن محيط أبنيته يساوي محيط الكعبة في مكة المكرمة، وهو يلقي بظله على الشرفات المحيطة. وها هو جامع سيدي يحيى المبني في نهاية القرن الخامس عشر صامد، يحميه باب قديم مصفح بالحديد. وهو من أحد أبواب الطراز الهندسي لبيوت تومبوكتو.
طرق تومبوكتو نظيفة وواسعة إلى درجة تسمح بمرور ثلاثة خيالة معاً. في الداخل والخارج الكثير من الأكواخ مصنوعة من القش بشكل دائري تقريباً.
(من يصدق أن هذا الوصف يعود إلى رونيه كالييه، ويعود تاريخه إلى عام 1828؟). الطرق التي كان يتجول فيها الطوارق بسيوفهم لم تتغير منذ القرن الماضي. وكذلك الأفران المصنوعة من الطين. ما زالت المنازل المبنية منذ قرون على الطراز نفسه، تؤمن استمرار الماضي. فقد أحضر كنكان موسى من حجه إلى مكة، مهندساً مسلماً من أصل إسباني فوضع أصول العمارة في هذه المدينة.
واليوم صار لتومبوكتو طراز خاص بها يعطي المدينة وحدتها، بما فيها الأبنية الأكثر حداثة والمنازل التراثية القديمة والساحات الخفية الداخلية التي يتعالى فيها الصراخ والألعاب مرددة أصداء القرون الماضية.

على مسافة خمسين كيلومتراً جنوب غرب تومبوكتو، ما زالت التقاليد الصحراوية القديمة حية. هناك غوندام العاصمة الصغيرة لمنطقة بحيرة فاغيبين الرائعة ذات ال800 كيلومتر من المياه، واليها يأتي الجمالون الطوارق لملاقاة المزارعين البيلا. ومساء، تتصاعد حول المسجد وفي الأزقة المحيطة به موسيقى المزمار الحزين، والطبل الصغير المصنوع من الفخار.
يقول مثل طوارقي : "من الأفضل أن نرى الأمور بأعيننا من أن نسمعها من الآخرين". ويشهد زوار تومبوكتو الذين يصل عددهم إلى 3 آلاف شخص سنوياً، على عناصر الجذب القوية التي ما زالت موجودة حتى اليوم في المدينة، والتي تشكل أحد مصادر الحضارة السوداء

التاريخ السياسي للمنطقة
إن منطقة أزواد كانت تعيش بحرية تامة على شكل أراض تمتلكها القبائل الأساسية في المنطقة،ولكل قبيلة شيخها الآمر،وعلماؤها المفتون وقضاتها الحاكمون،حتى بغتتهم فرنسا بجنودها لاحتلالهم فهبوا جميعا للدفاع عن أرضهم وديارهم،إلا أن عتادهم لم يكم بالمكافئ لعتاد العدو،استطاع المستعمر تمزيق القبائل شذر مذر بعد الهزائم التاريخية التي ألحقوها به (كمعارك فهرون وغيره من القواد البارزين) بعدها تشتت الأوضاع ودخل المستعمر الأرض فعلا فعاث فيها وجعل أعزة أهلها أذلة،بالطبع السود من المنطقة تابعو سيدهم المستعمر وطبقوا أوامره حرفا حرفا،أما أهل أزواد فقد خالفوه وتمردوا عليه،فأعادوا تنظيم صفوفهم تحت قيادة القائد البطل السياسي المحنك محمد علي بن الطاهر الأنصاري،فأعلنها صريحة في وجوه الفرنسيس: لا للإنضمام تحت لوائكم!!! فلما بدأت فرنسا تدرك خطر هذا القائد على مصالحها في المنطقة عرضت عليه أن تمنحه الاستقلال بقومه تحت سيطرة فرنسية، فأبى البطل مثل هذه الإغراءات، فأصدرت فرنسا في حكمه الإعدام ففر هاربا من المنطقة إلى البلدان العربية،وبعدها وقعت الحرب العالمية الثانية فأعطى كل أهل المنطقة أوامر بعدم مساندة فرنسا في الحرب؟!!! فبانقضاء الحرب مباشرة سجلتها عليهم فرنسا جريمة تاريخية لا تغتفر،وأكدت أنها كانت بفعل القائد محمد علي.
بعدها قررت فرنسا الخروج من الأرض وتسليمه لأهله،فعاقبت محمد علي على عدم إعطائه أرضا لأنه لم يشارك معهم في الحرب، وأعطت الأرض الأخرى للسود ثم خيروا محمد علي في ثلاث: إما أن ينضم أرضه إلى أرض الجزائر أو أرض موريتانيا أو مالي،فرفض كل الخيارات،إلا أن أخاه وقع على الأخير نائبا عنه من خلال تصرفه الشخصي، وعلل ذلك بأنه إذا انضم مع السود فإن قومه سيحررون أرضهم مهما طال بهم الزمن،بخلاف العرب!! وهذا بالطبع تصرف لا يوافق عليه أبدا.
بقيت الحالة هكذا حتى بدأ الشباب ينتبهون من غفلتهم،فآلمهم حر الذل الذين يعيشون تحته من سنين،فأعلنوها ثورة ضد التمييز العنصري والإهانة العرقية،وكان ذلك في منتصف الثمانينات،فقاد الشباب هذه الثورة ضد الحكومة،طالبين بها جزءا من حقوقهم المداسة،فردت عليها الدولة بالتطهير العرقي الذي طال كل المناطق،وراح ضحيته عشرات الآلاف من الأبرياء.
لما اشتد الأمر على الحكومة طلبت توقيع صلح يتوصل به إلى تحسين الأوضاع،فوقع الشباب صلحا على أن يجدوا كل حقوقهم اللازمة،ولكنه بقي حبرا على ورق إلى وقتنا هذا ، ولعلنا نستجمع صفوفنا من جديد فندكها دكة لا قيام لها من بعدها لننعم بالحياة التي افتقدناها أكثر من نصف قرن من الزمن.
Read More | علق على هذا الموضوع

اختراق موقع أوسان ليبيا الليبي المعارض

Written By آفر برس on الأربعاء، 23 فبراير 2011 | الأربعاء, فبراير 23, 2011

الأربعاء، 23 فبراير 2011


نجحت مرتزقة القذافي في اختراق موقع ليبي أمازيغي معارض يسمى أوسان ليبيا الذي يعني "أيام ليبيا" بالأمازيغية، واصفة العاملين على الموقع بأنهم خونة، وقم سمى المخترقون أنفسهم بالشبح الأسلامي، كما تضمنت الرسالة التى تركها المخترقون للموقع رسالة للجزيرة مؤكدين على أن النظام القذافي باق لأنهم لن يتنازلوا عليه. يذكر أن النظام الليبي هدد بالقتال إلى آخر قطرة دم مستعملا سفنا وطائرات حربية لقصف الجماهير الليبية كما عمل على منع الصحف الدولية من متابعة الحدث عن كثب كما تم التشويش على الاتصالات السلكية واللاسلكية وكذا حجب موقع الجزيرة الألكتروني، بل والتشويش على القناة نفسها من موقع في طرابلس حسب ما أفادت به قناة الجزيرة.
يذكر أن المخترقين حاولوا صبغ اختراقهم بصبغة دينية إسلامية من خلال الأسم المستعمل "فريق الأشباح الأسلامية" في حين أن القرضاوي ذهب إلى حد هدر دم قائدهم الذين وصفوه بالأب والقائد والمعلم، في الوقت الذي وصف فيه هو نفسه بالثورة والمجد والتاريخ.
ملاحظة: الموقع عاد للعمل.
انظر: مواقع أمازيغية
Read More | علق على هذا الموضوع

مجموعة العمل الليبي : نداء ليبيا بالأمازيغية و العربية

Written By آفر برس on السبت، 19 فبراير 2011 | السبت, فبراير 19, 2011

السبت، 19 فبراير 2011

Read More | علق على هذا الموضوع

نماذج من التواصل الحضاري بين شمال أفريقيا والصحراء الكبرى

Written By آفر برس on السبت، 12 فبراير 2011 | السبت, فبراير 12, 2011

السبت، 12 فبراير 2011

د. مصطفى أعشي

 جامعة محمد الخامس / الرباط
معهد الدراسات الأفريقية
 يحاول هذا الموضوع التطرق لنماذج من التواصل الحضاري الذي كان موجوداً بين شمال أفريقيا والصحراء الكبرى خلال عصور ما قبل التاريخ ، باعتبارهما منطقتين جغرافيتين تكملان بعضهما ، انطلاقاً من متابعة التغيرات المناخية التي عرفتها المنطقتان ، والتحركات البشرية التي صاحبتها ، ثم التعرض للمخلفات الأثرية التي تبرز التواصل والتأثير المتبادل المنطقتين .  ولإبراز هذه العلاقات وهذا التواصل نقترح التعرض من خلال هذا العرض مناقشة ثلاث نقط محورية :ـ
1 ـ الصحراء الكبرى وتطورها المناخي وخاصة خلال الأدوار الجليدية. 2 ـ شمال أفريقيا وسماتها الجغرافية الأساسية.
1 ـ بعض نماذج ومظاهر العلاقات بين المنطقتين وتطورها خلال عصور ما قبل التاريخ انطلاقاً من البدايات الأولى وإلى غاية توصل الإنسان إلى الزراعة وتربية الماشية.
1 ـ الصحراء الكبرى وتطورها المناخي
تعتبر الصحراء الكبرى في أفريقيا حالياً منطقة قاحلة مقفرة تغطي جزءاً كبيراً من وسط أفريقيا وشمالها وتكاد تمثل حاجزاً طبيعياً بين شمال أفريقيا ووسطها . وتمتد الصحراء الكبرى من الغرب إلى الشرق أي من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر ، على طول 3000 كلم . ومن الشمال إلى الجنوب أي من البحر الأبيض المتوسط إلى بداية المناطق الاستوائية ، على طول 1500 كلم . ويحدد الباحث ميلبورن (M.MILBURN ) مساحتها في حوالي تسعة ملايين كلم2 1 .بينما يحددها العالم هوكو (HUGOT ) في أربعة ملايين ونصف مليون كلم2 2 . والصحراء تعبير نباتي ، تعني افتقار الإقليم للحياة النباتية والحيوانية ولكن هذا لا يعني الفقر التام ، إذ مما لا شك فيه أن هناك حياة نباتية وحيوانية في الصحراء.
على الرغم من أن الصحراء الكبرى تعد من أكبر الصحاري في العالم ، إلا أنها لم تكن على ما هي عليه الآن ، إذ كانت إلى غاية حوالي 6000 ق . م وربما إلى بعد ذلك ، عبارة عن أرض رطبة تعرف الأمطار الكافية وتعج بالحياة النباتية والحيوانية والبشرية.
ولهذا فقد أنكب العديد من الباحثين على دراسة هذا التحول المناخي الذي عرفه العالم بما فيه الصحراء وشمال أفريقيا ، منهم : كاطون ، طومسيون ، وكوتيي ، وهوكو ، وقوفري وغيرهم ، لرصد مراحل هذا التطور المناخي والحقائق المرتبطة به . كما أن أبحاثهم ودراساتهم وتساؤلاتهم ، فتحت آفاقاً جديدة لمتابعة التأثيرات المتبادلة بين الصحراء وشمال أفريقيا وتحديد نوعية العلاقات التي كانت قائمة بين المنطقتين. ومن المسلم به أن قضية العلاقات والتأثيرات المتبادلة بين الصحراء وشمال أفريقيا وتحديد نوعية العلاقات التي كانت قائمة بين المنطقتين. ومن المسلم به أن قضية العلاقات والتأثيرات المتبادلة بين شمال أفريقيا والصحراء ، كانت ترتبط ارتباطاً كبيراً بالتغييرات المناخية التي كانت تعتبر العامل المتحكم في الاستقرارات من ناحية ، وفي التحركات البشرية أخرى ، منذ بداية ظهور الإنسان في أواخر حقبة البليوسين وبداية حقبة البلايستوسين.
كما أنه مما لا شك فيه أن أقل زيادة في الجفاف في مساحات الصحراء الكبرى ، كانت تتسبب في القيام بتحركات ونزوحات بشرية نحو المناطق التي تتوفر فيها سبل الحياة ، وخاصة الماء والأشجار المثمرة والحيوانات ، مما يتسبب في إحداث تغييرات اجتماعية وسياسية بعيدة المدى في الجهات التي يتم الانتقال إليها . ونزوح الناس وهجرتهم من الصحراء ، تتسبب في زيادة قحولتها وتمدد في إطالة عمر المراحل الجافة ، إلى حد أن تصبح طرق القوافل والمسالك القديمة غير مجدية ، بينما في المقابل يساهمون في كتابة فصول جديدة يضيفونها إلى المناطق التي استقروا بها حديثاً.

1 ـ 1 التغييرات المناخية والأدوار الجليدية
تثبت الأبحاث العلمية أن الكتل الجليدية القارية الموجودة في القطبين الشمالي والجنوبي والتي تبلغ مساحتها حالياً حوالي خمسة عشرة مليون كلم2 ،تضخم حجمها بدرجة كبيرة ، في عصور ما قبل التاريخ، ولاسيما خلال الأدوار الجليدية ، فزحفت على مساحات شاسعة من الأراضي وغطت أجزاء هامة من تجارتي أوروبا وأمريكا .
وقد تكررت هذه الظاهرة ، على الأقل ، أربع مرات خلال المليون سنة الأخيرة من عصور ما قبل التاريخ وهي المعروفة بالأدوار الجليدية :ـ
دور جليد كونز (Gunz ) ما بين 600000 و 540000 سنة ق .م
دور جليد مندل (Mindel ) ما بين 480000 و 430000 سنة ق .م
دور جليد ريس (Riss ) ما بين 240000 و 180000 سنة ق .م
دور جليد قورم (Wurm ) ما بين 120000 و 10000 سنة ق .م[1]

وقد كان يفصل بين كل دور جليدي وآخر فترات بين جليدية دفيئة هي التي تعود فيها الصحراء إلى حالة الجفاف. ونذكر على سبيل المثال أنه في حدود 20000 سنة ق.م بلغت كتل الجليد أقصى زحفها إذ بلغت المساحة المغطاة حوالي أثنين وأربعين مليون كلم2 ، أي ما يقارب ثلاث مرات المساحة التي يغطيها الجليد الآن. وفي الفترات التي ترتفع فيها درجة الحرارة تتقلص كتل الجليد بشكل كبير نتيجة لذوبان أجزاء منها . وقد كان لزحف الجليد وتراجعه تأثيرات هامة على الوسط الطبيعي منها :ـ
1ـ1 ـ1 انخفاض درجات الحرارة : عم البرد القارص والرياح الثلجية شمال أوروبا وشمال أمريكا وتواجدت فيها الأصناف الحيوانية المعروفة بتأقلمها مع المناخ الجليدي كالماموث والكركدن ذي الغطاء الصوفي والرنة والدب . كما عاشت في المناطق المتاخمة للبحر الأبيض المتوسط أصناف من الطيور القطبية كالبطريق.

1ـ 1 ـ 2 انخفاض مستوى البحار : لم تعد الدورة المائية تستكمل دورتها بسبب البرد القارس المصاحب لانخفاض درجة الحرارة . مما تسبب في عدم ذوبان الجليد . وقد حدثت هذه العملية عدة مرات تبعاً للدورات الجليدية ، واستمرت آلاف السنين ، مما أدى إلى تراجع كبير في مستوى البحار والمحيطات . تجاوز أحياناً أكثر من مائة كلم . وعلى سبيل المثال فقط فإن مدينتي قابس وصفاقس التونسيتين الواقعتين الآن على الشاطئ مباشرة ، كانتا تبعدان عنه بحوالي 100 كلم ما بين 13000 و 15000 سنة ق.م . كما يعتقد أنه كان هناك برزخ يربط بين أوروبا وأفريقيا عن طريق صقلية عبر الوطن القبلي في تونس ، وعن طريق مضيق جبل طارق في المغرب.

1 ـ 1 ـ 3 غمر البحار لليابسة : عند ذوبان الجليد وتراجع جزء منه يرتفع منسوب الماء في البحار والمحيطات فتغمر أجزاء شاسعة من اليابسة وقد حدثت هذه العملية أربع مرات على الأقل ودامت آلاف السنين ، وتركت شواهد مادية دالة على ذلك. وتفيد الأبحاث المناخية أن هناك علاقة وطيدة بين زحف الجليد في أوروبا وأمريكيا وتنقل المرتفعات الجوية التي تتحكم في مناخ المناطق المدارية وشبه المدارية ، مما يؤكد أن مناخ الصحراء خلال عصور ما قبل التاريخ مر بفترات رطبة ممطرة تتخللها فترات من الجفاف والجدب.

1 ـ 1 ـ 4 شواهد التغيرات : ومن الشواهد التي تؤكد هذه التغيرات التي عرفتها الصحراء ، الفرشات والمسطحات المائية كالبحيرات ومجاري الأنهار والآثار الحضارية للإنسان في الصحراء.

1 ـ 1 ـ 4 ـ1 ففيما يتعلق بالفرشات والمسطحات الضخمة بالصحراء ، فمن المعروف أنه يتواجد في شمال الصحراء فرشات مائية ضخمة تغذي العيون العديدة التي تسقي واحات تونس والجزائر وليبيا ، وهي عبارة عن خزانات طبيعية تجمعت فيها كميات هائلة من المياه في الفترات الرطبة والممطرة والتي عرفتها الصحراء خلال عصور ما قبل التاريخ ، والموازنة للأدوار الجليدية الأوروبية.
وتدل الدراسات الحديثة على أن ماء هذه الموائد المائية تضخم نتيجة ارتفاع مستوى الأمطار الساقطة على الصحراء ، فارتفع مستواها وأصبح قريباً من سطح الأرض . ويؤكد تحول شط الجريد في جنوب تونس ، مثلا ، إلى بحيرة شاسعة كانت تعيش على ضفافها مجموعات بشرية عديدة تتغذى على صيد الحيوانات . وتفيد التحاليل المعملية أن شط الجريد الواقع جنوب تونس كان قد تحول إلى بحيرة في مناسبتين : الأولى حوالي 140000 سنة ق.م ، أي بعد نهاية دور جليد ريس وبداية الفترة الفاصلة بين دور جليد ريس ودور قورم . والثانية حوالي 90000 سنة ق.م ، أي خلال الربع الأول من دور جليد قورم.

1 ـ 1 ـ 4 ـ 2 وبالنسبة للبحيرات واتساع مجالها وتقلصه حسب التغيرات المناخية ، فتعتبر بحيرة التشاد من أضخم المسطحات المائية في أفريقيا . إذ يمكن اعتبارها بحراً داخلياً ضخماً ، يتراوح عمقها بين 3 و 7 أمتار حسب الفصول وحسب مستوى التساقطات . بينما خلال عصور ما قبل التاريخ ، عرفت هذه البحيرة تضخماً في حجمها ، وذلك فيما بين 40000 و 20000 سنة ق.م ، أي خلال المرحلة الأخيرة من دور جليد قورم ؛ بلغ ست عشرة مرة المساحة الحالية ، صاحبة تجاوز العمق إلى خمسين متراً . إلا أنه خلال الفترة المتراوحة ما بين 20000 و 10000 سنة ق.م ، بدأت مساحتها تتقلص بشكل ملحوظ نتيجة حلول فترة من الجفاف ، فكادت تضمحل وأصبح سطحها ميدانياً شاسعاً تنتقل فوقه كثبان الرمال . ولا تزال مساحتها تتراجع إلى يومنا هذا.

1 ـ1 ـ4 ـ3 وإذا عدنا إلى تأثير تغير المناخ على مجاري الأنهار ، فنلاحظ أنه خلال توفر المناخ المطير في الصحراء ، تتسع مجاري الأنهار نتيجة لارتفاع منسوب المياه فتعم الخصوبة وتنتشر الخضرة ؛ ولكن إذا حل الجفاف يتقلص منسوب الماء في المجاري وتقل قوة سيرة فيتحول إلى عدة مجاري ، وإلى مستنقعات لا تقوى على التحرك . وتستقر الكثبان الرملية بالتدريج في مجراه إلى أن توقف مسيرته كما حدث لعدد من الأنهار في الصحراء التي نلاحظ أوديتها الواسعة ومجاريها الجافة.

1 ـ 1 ـ 4 ـ 4 أما الآثار الحضارية الشاهدة على رطوبة مناخ الصحراء خلال الأدوار الجليدية والتي استوطنها الإنسان خلال عصور ما قبل التاريخ ، وترك فيها عدداً هاماً من الآثار المتمثلة على الخصوص ، في الأدوات الحجرية ومواطن إقامته وبقايا حيوانية وبشرية التي توجد الآن في مناطق جافة وقاحلة . فقد عثر في هذه المواطن على مجموعات من عظام الحيوانات كالفهد ، والفيل ، والكركدن ، والتمساح وأسماك البحيرات والأنهار ، وأفراس النهر ، والزرافات ؛ هذا علاوة على الحلزون المائي الذي كان يعيش في المسطحات المائية التي كانت تتواجد في الصحراء . وفي موقع تيهوذين بجنوب الصحراء الجزائرية التي زارها كوتيي (E.F Gautier ) وريكاس (Reygasse ) سنة 1932 تم العثور على صناعة حجرية مختلطة بحيوانات الكركدن ، والفيل ، وفرس البحر ، والبقريات والجاموس ، والخنزير ذي القرنين وحمار الوحش والتمساح ، والغزال الخ… . وبجانب هذه البقايا الحيوانية عثر في مناطق متعددة من الصحراء على مجموعات هامة من الرسوم والنقوش الصخرية التي تمثل مشاهد من الحياة اليومية لإنسان تلك المرحلة بجانب قطعان من الحيوانات المتنوعة ، بعضها انقرض ، وبعضها انتقل إلى مكان آخر والبعض الآخر لا يزال موجوداً.
كل هذه المعطيات والشواهد تعبر بصفة واضحة وجلية عن وضع مناخي ممطر ورطب مناسب لحياة الإنسان والحيوان والنبات ، يختلف تماماً عن المناخ الحالي ، مما دفع ببعض الباحثين إلى الاعتقاد في أن الجذور الأولى لحضارة الإنسان خلال عصور ما قبل التاريخ في شمال أفريقيا بوجه عام ، ترجع في الحقيقة إلى جهود الإنسان الصحراوي في ذلك الوقت.

كيف ذلك ؟
إن التغيرات المناخية التي عرفتها الصحراء الكبرى يبلغ عددها لحد الآن أربعة ، تفصل بينها دورات جافة وحارة ، وإنه خلال هذه التغيرات التي عرفتها المليون سنة الأخيرة من حياة الإنسان ، الذي عاش في الصحراء ، كان مضطراً لمغادرتها والنزوح إلى المناطق المجاورة ، تبعاً للظروف المناخية ، بحثاً عن الكلا والمرعى والماء .
وانتقاله إلى المناطق الجديدة وخاصة شمال أفريقيا كان يتم بالطبع بالجسد والفكر والحضارة .إذ أنه ينتقل بكل تراثه وتراكماته الحضارية التي يستعين بها للتأقلم مع الظروف الطبيعية الجديدة ، وهذا ما ساعده على الإسهام في التطور الحضاري للمنطقة الجديدة التي نزح إليها .وبهذه الطريقة فإن النازح الجديد من الصحراء يكون قد ساهم في تطور المنطقة الجديدة التي استقر بها.
وعملية النزوح هذه ، تكون قد تمت على الأقل أربع مرات ، واتجهت إلى المناطق التي تتوفر على الماء والقوت والكلإ وهذا ما جعل بعض الباحثين ، كما أشرنا إلى ذلك سابقاً ، يميلون إلى القول ، بأن الصحراء كان لها دور كبير في تعمير شمال أفريقيا بالإنسان أولاً ، وبالتطورات الحضارية التي تلت هذا التعمير والتي عرفتها المنطقة ثانياً ، والمتمثلة خاصة في الصناعات الحجرية التي صنعها واستعملها ، وفي الفنون الصخرية التي أبدعها ، وفي تربية الماشية والزراعة التي توصل إليها .

2. شمال أفريقيا وسماتها الجغرافية الأساسية
ونعني بها المنطقة الممتدة من المحيط الأطلسي غرباً إلى البحر الأحمر شرقاً ومن البحر الأبيض المتوسط شمالاً إلى الصحراء الكبرى جنوباً .وهي تبدو على شكل جزيرة أو شبه جزيرة إذا استثنينا ممر شبه جزيرة سيناء في أقصى الشمال الشرقي .
وهي السمة التي جعلت إنسان هذه المنطقة الواسعة يعيش ، على ما يبدو ، في مجال معين شبه معزول ، تفاعل مع بيئة هذا المجال دون ضغوط خارجية كبيرة مما أدى إلى تكوين عقلية متميزة خاصة بهذه المنطقة .
وتتميز هذه المنطقة بثلاثة عناصر أساسية ساهمت في تكوين خلفية ذهنية متشابها بين أبناء هذه المنطقة منها :ـ

2 ـ 1 وجود سلسلة جبال الأطلس التي تمتد على طول شمال أفريقيا بمثابة الهيكل العظمي لها . وعلى الرغم من أن هذه الجبال ، قد تبدو ، في بعض الأحيان ، كحواجز ، إلا أنها تمثل أحد العناصر الأساسية لشخصية هذه المنطقة ، والمؤثرة فيها باعتبارها المصدر الأساسي للمياه.
2ـ 2 الصحراء الكبرى التي تمتد جنوباً تعتبر استمراراً لشمال أفريقيا وجزءاً منها ، بل وعمقها الاستراتيجي . لعبت ، عبر مختلف مراحل التاريخ ، دوراً كبيراً في تهيئ بعض الظروف الملائمة لتطور شمال أفريقيا وتوحيدها . وكان للتغيرات المناخية التي عرفتها الصحراء أثر كبير في تكوين العنصر البشري لشمال أفريقيا . إذ كانت المناطق الصحراوية عبارة عن خزان للإنسان الذي كانت تقذفه خلال فترات الجفاف ، بعد تراجع الأدوار الجليدية ، وتدفعه إلى الشمال بالدرجة الأولى . وبذلك لعبت الصحراء دوراً كبيراً في تعمير شمال أفريقيا[2] .
2 ـ 3 شواطئ شمال أفريقيا الممتدة على طول آلاف الكيلومترات من نهر السنغال على المحيط الأطلسي غرباً إلى قناة السويس وسواحل البحر الأحمر شرقاً مروراً بالبحر الأبيض المتوسط . ولم تستعمل هذه الشواطئ فقط لصيد الأسماك ولكن استعملت كثغور وبوابات تواصل بين شمال أفريقيا وعالم البحر الأبيض المتوسط ، وما صاحب هذا التواصل من تأثير متبادل ساهم في تكوين إرهاصات الخلفية الثقافية المشتركة لإنسان هذه المنطقة.

3. نماذج من العلاقات بين الصحراء وشمال أفريقيا
تتمثل هذه العلاقات ، على الخصوص ، في التشابه الموجود ، بل وأحياناً التطابق التام بين الأدوات الحجرية التي تم استخراجها في عدد من المواقع الما قبل التاريخية بالصحراء وشمال أفريقيا ، انطلاقاً من أقدم الأدوات إلى أحدثها ، مما يوحي بأن البشر صانعو هذه الأدوات في هذه المناطق ينتمون إلى جذور مشتركة أو على الأقل إلى منابع ثقافية واحدة أو متشابهة .
وهذا يعني أن هناك اتجاه إلى الاعتقاد في أن الجذور الأولى للإنسان وحضاراته المختلفة في شمال أفريقيا بوجه عام ، ترجع في جزء كبير منها إلى الإنسان في الصحراء وجهوده.

فما هي المراحل التطورية التي عرفها العنصر البشري في هاتين المنطقتين ؟3 ـ 1 العنصر البشري : لقد كشفت الأبحاث الأثرية والتنقيبات العلمية أن الصحراء وشمال أفريقيا عرفت استقرار الإنسان بها منذ البدايات الأولى لظهور الإنسان ـ مما يؤكد عراقة هاتين المنطقتين في قدم استقرار الإنسان بهما . لكن قبل التعرض النماذج البشرية ومكانتها في سلم التطور البشري يبدو أنه من الأفضل التعرض ولو بإيجاز للمراحل التطورية الكبرى للإنسان بصورة عامة ، والتي على أساسها يمكن وضع إنسان الصحراء وشمال أفريقيا في المكان الملائم من سلم التطور البشري.

وتنقسم ، عادة ، مراحل التطور البشري إلى أربع مراحل:
3 ـ 1 ـ 1 مرحلة الأوسترالوبيتيك (Australopithecus ) أو الإنسان القردي الجنوبي ، موطنه الرئيسي لحد الآن شرق وجنوب أفريقيا . وتعود أقدم بقاياه إلى أكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون سنة . ومن أشهر نماذجه الهيكل البشري لوسي (Lucy )[3] .

3 ـ 1 ـ 2 مرحلة الإنسان المنتصب القامة (Homo Erectus ) الذي عاش على الأرض ما بين مليون ونصف مليون ومائتي ألف سنة ق.م .وقد تم العثور عليه في شرق أفريقيا وشمال أفريقيا والصحراء والصين وأندونيسيا (خريطة رقم 1 )[4] .

3 ـ 1 ـ 3 مرحلة إنسان النياندرطال ( Neandertal ) ، عثر عليه لأول مرة في ألمانيا ثم في كل البلدان الأوروبية . ولذلك فيبدو أنه عمر أوروبا بالدرجة الأولى ما بين 20000 و 35000 سنة ق.م. ولا يوجد له أي أثر في شمال أفريقيا والصحراء[5].

3 ـ 1 ـ 4 الإنسان العاقل العاقل (Homo Sapiens Sapiens ): ظهر منذ حوالي 100000 سنة ق.م. وهو الذي يعمر العالم اليوم ، وإليه تنتمي كل شعوب الأرض [6]. وإذا حاولنا تتبع هذه المراحل التطورية في الصحراء وشمال أفريقيا فماذا سنلاحظ؟

3 ـ 1 ـ 5 إن المرحلة الأولى المتمثلة في الأوسترالوبيتيك لم يعثر على أي بقايا لها في الصحراء وشمال أفريقيا تبعاً للأبحاث والتنقيبات الأثرية التي أجريت لحد الآن . ولكن في المقابل ، تم العثور على الأدوات الحجرية التي استعملها الأسترالوبيتيك والتي وجدت بجانبه في شرق أفريقيا ، وجدت في شمال أفريقيا والصحراء مما يوحي بوجوده في المنطقتين الأخيرتين إلا أن التحريات والأبحاث الأثرية لم تصل إليه بعد.
3 ـ 1 ـ 6 أما فيما يتعلق بالمرحلة التطورية الثانية والمتمثلة في الإنسان المنتصب القامة فقد عثر في شمال أفريقيا والصحراء على العديد من نماذجه ، مما يؤكد عراقة هذا الإنسان في المنطقتين وقدم تعميره لهما . وتعود أقدم هذه البقايا إلى حوالي مليون سنة وهو إنسان سيدي عبد الرحمن الثاني الذي استخرج سنة 1996 . ويليه في القدم إنسان التشاد (Tchadanthrope ) وهو إنسان عتيق كذلك اكتشفه الباحث الفرنسي إيف كوبنس (Y. Coppens) سنة 1961 في التكوينات الرسوبية لصحراء جوارب . كما عثر على نماذج أخرى من هذا الإنسان في الدار البيضاء والرباط وسلا بالمغرب وباليكاو بالجزائر ، وقد أطلق عليه اسم محلي هو الأطلانثروب (Atlanthrope ) . والملاحظ في العصر الحجري القديم الأسفل أن البقايا البشرية للأطلانثروب نادرة في تونس وليبيا والصحراء وموريتانيا ومنعدمة في مصر ، ويفسر هذا على أنه راجع على ما يبدو ، إلى قلة التنقيبات والأبحاث الأثرية المرتبطة بإنسان هذه الفترة . إلا أنه في المقابل يلاحظ توفر الأدوات الحجرية التي استعملها هذا الإنسان والتي تغطي كل أفريقيا والصحراء ، مما دفع الباحثين إلى القول أن إنسان الأطلانثروب عاش في كل شمال أفريقيا والصحراء وليس فقط في المغرب والجزائر.

3 ـ 1 ـ 7 وإذا انتقلنا إلى المرحلة التطورية الثالثة والمتمثلة في أوروبا بإنسان النياندرطال ، فإن الصحراء وشمال أفريقيا لا يتضمنان أي أثر لهذا النموذج البشري . إلا أنه في المقابل يلاحظ استمرارية وجود الإنسان في ليبيا شرقاً إلى المغرب غرباً والصحراء جنوباً . وهذا النموذج البشري الشمال الأفريقي الصحراوي يعتبره الباحثون تطوراً محلياً للإنسان المنتصب القامة وصلة وصل بينه وبين الإنسان العاقل . وهذا يعني أنه لا وجود للنياندرطال الأوروبي في الصحراء وشمال أفريقيا . وخير مثال لهذا النموذج المحلي إنسان جبل أيغود في المغرب وإنسان هوافطيح في ليبيا . ففيما يتعلق بالبقايا البشرية العائدة لجبل أيغود والذي سبق للباحث الفرنسي كوبنس أن أجرى دراسات على بقاياه وحدد زمنه بحوالي سبعين ألف سنة قبل الميلاد ، وأكد عدم انتمائه إلى فصيلة النياندرطال كما سبق للأستاذ أينوشي أن أعلنه عند اكتشافه لهذه البقايا سنة 1962 [7]. إلا أن الباحث المغربي الشاب بن نصر أكد بعد إعادته لدراسة هذه البقايا أنها تعود إلى أكثر من 130000 سنة ق.م بل وربما أقدم بذلك بكثير.
ومن خصائص إنسان جبل أيغود أنه يجمع بين بعض سمات الإنسان المنتصب القامة وسمات الإنسان العاقل العاقل مما يؤكد أنه يمثل مرحلة تطورية انتقالية نحو الإنسان الحالي أي أنه عبارة عن صلة وصل أو الحلقة الفاصلة بين الإنسان المنتصب القامة والإنسان العاقل العاقل . وهذه الميزة التطورية لا نجدها إلا في المغرب فقط مما جعل منه أحد مراكز الاهتمام الأساسية لدراسة تطور النوع البشري . والغريب أن كل بقايا هذا الإنسان عثر عليها في داخل الكهوف مما يعني أنه كان يعيش زمن الدور الجليدي الأخير " قورم " .
3 ـ 1 ـ 8 وآخر مرحلة في التطور يتعلق بالإنسان العاقل العاقل الذي عثر على بقاياه في كل من شمال أفريقيا والصحراء . وهو الإنسان صانع الحضارة العاطرية والحضارة الوهرانية والحضارة القفصية.
ويبدو أنه مع نهاية المرحلة الطويلة للعصر الحجري القديم بأقسامه الثلاثة ، ونهاية الأدوار الجليدية ، وبداية الجفاف في الصحراء الكبرى ، بدأت تفد على أرض شمال أفريقيا موجات بشرية جديدة ، قدم أغلبها من الصحراء ، اختلطت بالسكان الأصليين وامتزجت فيهم وساهمت معهم في تكوين الفرشة السكانية للمنطقة . وعليه فالعنصر البشري في شمال أفريقيا يكون قد التأم انطلاقاً من العناصر البشرية الأصلية التي عثر على بعض نماذج بقاياها في العديد من المواقع الأثرية ، إضافة إلى العناصر البشرية القادمة من الصحراء الكبرى بالدرجة الأولى ومن الشرق أحيانا.
3 ـ 2 العلاقات البشرية بين شمال أفريقيا والصحراء : من خلال مراجعة أولية لما خلفه إنسان العصور ألما قبل التاريخية في الصحراء وشمال أفريقيا ،اتضح أن أغلب هذه المخلفات تتشابه على طول وعرض المنطقتين ، بل وأحياناً تتطابق ، مما يوحي ببروز البدايات والإرهاصات الأولى لوحدة ذهنية وحضارية في المنطقتين وتتمثل بعض مظاهر العلاقات في العناصر التالية :
3 ـ 2 ـ 1 الصناعات الحجرية : لقد عاش إنسان المنطقتين خلال عصور ما قبل التاريخ عيشة تتلاءم والظروف البيئية المحيطة به ، واضطر للتأقلم معها ، وصنع منها أدواته الحجرية والعضمية والخشبية التي يحتاجها . وقد عرفت هذه الأدوات تطوراً في تقنيات صنعها تبعاً لتطور الإنسان الذهني وتفاعله معتغيراه . ومن أقدم هذه الأدوات الحجرية التي استعملها الإنسان بصورة عامة وإنسان الصحراء وشمال أفريقيا بصورة عامة وإنسان الصحراء وشمال أفريقيا بصورة خاصة هي المعروفة لدى الباحثين باسم حضارة الحصاة أو الحصى المشذب أو المعدل.
3ـ 2 ـ 1 ـ 1 حضارة الحصاة أو الحصاة المشذبة ( pebble – culture, le galet amenage ) : وهي أدوات حجرية بدائية مصنوعة من الحصاة يرجع تاريخها إلى ما يزيد على مليونين ونصف مليون سنة [8] وذلك باستعماله طريقة البوثاسيوم اركون (KA ) على بعض الأدوات المحتوية على مواد بركانية . أقدم هذه الأدوات الحصوية استخرج من منطقة حوض نهر الأومو باثيوبيا . وتتمثل في حصاة دائرية الشكل تنزع منها شظية واحدة أو عدة شظايا ، مما يجعل جزءاً من الحصاة حداً قاطعاً . وقد استعمل الإنسان هذه الأداة الحجرية مدة طويلة من الزمن تجاوزت المليون ونصف سنة . وعلى الرغم من أنه لم يعثر لحد الآن على بقايا الإنسان صانع هذه الأداة في شمال أفريقيا والصحراء والذي يعتبر أقدم الأنواع البشرية البائدة والذي اكتشف آخر نموذج له سنة 1972 في أولدوقاي ، فإنه يجوز لنا ، انطلاقاً من العثور على هذه الأدوات الحصوية في العديد من مواقع الصحراء وشمال أفريقيا القول بأن الإنسان صانع هذه الأدوات كان موجوداً في هاتين المنطقتين . فقد تم العثور على الحصاة المشذبة في المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر والصحراء مما يدفعنا إلى القول بوجود علاقات حضارية وبشرية منذ البدايات الأولى للإنسان بين هاتين المنطقتين . ويمكن أن نعتبر هذا مؤشراً إلى إمكانية وجود خلفية ذهنية مشتركة أو متقاربة ومتشابهة بين سكان المنطقتين ، حدثت على ما يبدو نتيجة تفاعل الإنسان مع بيئة متشابهة مما جعل نتيجة التفاعل بين البيئة والإنسان عبارة عن منتوج حضاري متقارب أو متشابه. وقد عرفت حضارة الحصاة تطوراً تدريجياً في شكلها وفي طريقة صناعتها إلى أن أصبحت منذ مليون سنة تقريباً على شكل فاس يدوية سميت بذات الوجهين أو الحضارة الأشولية.

3 ـ 2 ـ 2 ذات الوجهين (Bifaces ) : وهي أدوات حجرية تعتبر أكثر تطوراً من الحصاة المشذبة ، كما أنها كانت في الأصل حصاة نزعت منها شطايا عديدة بطريقة أكسبتها وجهين متشابهين إلى أن أصبح لها شكل كمثري . وقد تم العثور على هذه الأدوات في كثير من المواقع بشمال أفريقيا والصحراء . وتمتد الفترة التي غطتها هذه الصناعة من مليون سنة إلى حوالي مائة ألف سنة قبل الميلاد مع نهاية العصر الحجري القديم الأدنى[9] .
وإن وجود هذه الأدوات الحجرية بوفرة في المنطقتين دليل آخر على وجود تبادل للتأثيرات الحضارية واستمرار للعلاقات الحضارية والبشرية بين الصحراء وشمال أفريقيا في هذه المراحل العتيقة من ما قبل التاريخ.
ومع انتهاء العصر الحجري القديم الأدنى ، وبداية بزوغ الإنسان العاقل العاقل ، عرفت تقنيات صناعة الحجر تطوراً كبيراً تميز بتنوع وتعدد الأدوات الحجرية ، وبكونها أصبحت أكثر دقة نظراً لسيطرة الإنسان على تقنيات وأساليب صنع أدواته الحجرية . ومن أهم هذه التقنيات.

3 ـ 2 ـ 3 القالوازية الموسترية : التي تتميز فؤوسها اليدوية ذات الوجهين بتقلص حجمها إذ أخذت الأدوات الكبيرة تتلاشى ، تاركة مكانها لأدوات أصغر حجماً ، وأكثر تنوعاً مثل المكاشط(Racloirs ) والمثاقب (pointes ) والشفرات والسكاكين(les lames)[10] وقد عرفت شمال أفريقيا هذه الصناعة في العصر الحجري القديم الأوسط إلا أن مواقعها قليلة إذا ما قورنت بمواقع الفترات الأخرى . وتعود قلة وجود هذه التقنية إلى بروز تقنية صناعية جديدة ابتكرها إنسان الشمال الأفريقي ،وغطت كل شمال أفريقيا والصحراء من المحيط الأطلسي غرباً إلى البحر الأحمر شرقاً ، ومن البحر الأبيض المتوسط شمالاً إلى التخوم الجنوبية للصحراء الكبرى جنوباً . تسمى هذه التقنية الصناعية بالحضارة العاطرية .

3 ـ 2 ـ 4 الحضارة العاطرية : سميت بهذا الاسم نسبة إلى بئر العاطر (Bir Alater ) الواقع شرق الجزائر والذي وجدت به ودرست فيه أدوات هذه الصناعة لأول مرة . وأول من تأكد أنها تقنية حضارية محلية هو الباحث الفرنسي ريكاس (Reygasse ) الذي وصفها سنة 1922 في دراسته التي نشرتها الجمعية الفرنسية لتقدم العلوم [11].
أما قبل هذا التاريخ ، فإنه رغم العثور على نماذج من هذه الأدوات في مواقع متعددة بشمال أفريقيا والصحراء ، إلا أن الباحثين الفرنسيين كانوا يطلقون عليها تسميات غامضة ، كما يحصل مع كل اكتشاف أثري يبرز شخصية المنطقة وإسهامها في الحضارة الإنسانية ؛ من هذه التسميات نيوليتي بربري (Neolithique berbere ) الذي أطلقه عليها الفرنسي بالاري (pallary ) سنة 1909 [12].  ويحتل العاطري ، في الوقت الراهن من البحث الأثري في شمال أفريقيا والصحراء ، المكانة التي يحتلها الموستيري خارج المنطقتين . أما تسلسله الزمني ، فقد أثبتت التنقيبات الأثرية الطبقية ، أنها تأتي بعد الموستيري في الزمن ، بل وفي غالب الأحيان تحتل مكانته ، وأنها بالإضافة إلى ذلك سابقة العصر الحجري القديم الأعلى .
ورغم الصعوبة في تحديد المركز الذي نشأت فيه هذه الحضارة لأول مرة ومنه انطلقت إلى باقي المراكز ، إلا أن المواقع وتركيزها على الساحل الغربي في المغرب ، واستمرار انتشارها في ليبيا ومصر ، وتوجهها توجها قوياً نحو الجنوب في الصحراء ، إلى أن تتوقف بصفة عامة على ضفاف ما تبقى من البحيرات في الصحراء الجنوبية كبحيرة تشاد[13]. يجعل من هذا التركيز في المغرب وتدرج قلة المراكز كلما اتجهنا إلى الشرق إلى غاية مصر تجعلنا نفترض أن مهد هذه الصناعة كانت في المغرب الحالي ، ومنه انتشر في باقي شمال أفريقيا والصحراء . وهذا يعني أن هذه الصناعة فرضت وجودها في كلا المنطقتين ؛ وأن العلاقات الحضارية هذه المرة ،كان اتجاهها غريباً ـ شرقياً وغربياً وجنوبياً وشرقياً ، أي أن الصناعة العاطرية كانت المحرك الأساسي القوي التأثير في هذه المرحلة ، مما يجعلنا نميل إلى القول بأن إرهاصات ما يمكن أن نسميه الوحدة الحضارية بين شمال أفريقيا من جهة والصحراء من جهة أخرى تعود إلى هذه المرحلة.
وقد طرح نقاش حول طريقة وصول هذه الحضارة إلى الصحراء.ويقدم الباحث هوكو افتراضاً ينطلق من أن التعمير العاطري للصحراء بدأ منذ حوالي 30000 سنة ق.م حين اتجهت موجات الإنسان ، صاحبة الحضارة العاطرية ، من بلدان شمال أفريقيا نحو الصحراء ، وانتشرت شمال الصحراء . واستقر أخيراً العاطري في المستوى الثالث على ضفاف البحيرات الجنوبية ووصل إلى المرحلة النهائية السابقة على العصر الحجري الحديث[14].ويعتمد هوكو في هذا الافتراض على التشابه الكبير بين الأدوات النهائية في موقعي مغارة العالية بطنجة في المغرب ودار السلطان قرب الرباط فات الرسوبيةضاً ، العائدين إلى حوالي 25000 سنة ق.م من جهة وأدوات المستوى الثالث على ضفاف البحيرات الجنوبية بالصحراء وعدم وجود بها صناعة ما قبل تاريخية أخرى بين الحضارة العاطرية والعصر الحجري الحديث من جهة أخرى.
وتتميز أدوات الصناعة العاطرية بكونها أدوات حجرية خاصة نابعة من تقنية صناعة ذات الوجهين التي استخرج منها رؤوس السهام والنصال الطويلة والمكاشط وأدوات مذنبة على شكل رأس يسهل استعمالها .
وقد عثر على إنسان صانع هذه الحضارة في مواقع متعددة في المغرب منها كهف دار السلطان سنة 1975 وكهف تمارة في نفس السنة كذلك. ويبدو من خلال الدراسات الأثرية أن الحضارة العاطرية [15]بدأت منذ حوالي 45000 سنة ق.م . واستمر وجودها إلى حوالي 20000 سنة ق.م لتخلفها الحضارة الوهرانية.
3 ـ 2 ـ 5 الحضارة الوهرانية أو الايبيروموروسية : إلى وقت قريب كان يعتقد أن هناك فراغ حضاري أو هوة (Hiatus ) اركيولوجية تفصل بين الحضارة العاطرية والحضارة الوهرانية . ولكن التنقيبات الأثرية التي أجراها الباحث الفرنسي القس روش (l`Abbe Roche ) في مغارة الحمام بتافوغالت بشرق المغرب ، أثبتت أن المستويين الأثريين 17 و 18 ، من مستويات المغارة والواقعين في أسفل الطبقات الأثرية يمثلان الحضارة العاطرية وبداية الحضارة الوهرانية في المستويات العليا انطلاقاً من المستوى 16 [16] (شكل رقم 3) . وهذا ما يعني عدم وجود أية هوة بين الحضارتين العاطرية والوهرانية وأن هناك استمرارية واتصال بين الحضارتين .وليس من المستبعد أن يكون للحضارة العاطرية أثر في الحضارة الوهرانية.
تتميز الحضارة الوهرانية بأنها حضارة ساحلية تنتشر في شمال أفريقيا من المغرب غرباً إلى ليبيا شرقاً ، عكس الحضارة القفصية التي كانت حضارة داخلية أي قارية . وأول من سماها بالاري (Pallary )[17]الذي أطلق عليها اسم الحضارة الايبيروموروسية معتقداً أنها صناعة قادمة من شبه جزيرة إيبيريا . ولكن اتضح فيما بعد أن هذه الحضارة لا علاقة لها إطلاقاً بإيبيريا وأنها حضارة محلية صرفة ، وأعقب ذلك تحريات ودراسات وحفريات قام بها الباحث الفرنسي قوفري سنة 1932 في مواقع بالجزائر على الخصوص ، جعله يطلق عليها اسم الحضارة الوهرانية[18].
وأهم سمات الحضارة الوهرانية صغر أوداتها الحجرية ، ولا سيما النصال الصغيرة ذات الشكل الهلالي والمكاشط المستديرة وبعض الأدوات المستعملة لسحق الألوان بجانب أدوات من العظام المصقولة المهندمة.
يحدد الباحث الفرنسي القس روس تاريخ هذه الحضارة باستعمال الكربون C 14 (شكل رقم 4) ، ما بين 100 21 = 400 و800 10/400 من الآن [19]. بينما يحدد تاريخها ماكبرني في ليبيا ما بين 14000 ق.م و 10000 ق.م. وهذا يعني أن الحضارة الوهرانية في غرب شمال أفريقيا أقدم منه في شرقها . فهل هذه التقديرات المقارنة تسمح لنا بافتراض الأصل في المغرب ، منها اتجهت بالتدريج إلى الشرق حتى وصلت إلى ليبيا ؟ هذا مع العلم أنه لحد الآن ، لم يعثر على أي شيء يشير إلى وجود هذه الحضارة في الصحراء . فهل هي حضارة مغربية صرفة ولا وجود لها في الصحراء أم أنها توجد بها ولكن معاول المنقبين لم تصل إليها بعد ؟ على كل ، وحسب التحريات والتنقيبات التي أجريت لحد الآن في الصحراء لا تشير إلى وجود هذه الحضارة في الصحراء عكس الحضارة السابقة العاطرية . فهل هي بداية انتقال للعلاقات بين الصحراء وشمال أفريقيا من علاقات عمومية إلى علاقات أفقية ، أي من علاقات شمال ـ جنوب وجنوب ـ شمال إلى علاقات غرب ـ شرق وغرب جنوب شرق . أي أن العلاقات التي كانت صحراوية شمال أفريقية في البداية انتقلت في عهد الحضارة العاطرية إلى علاقات شمال أفريقية صحراوية ثم أصبحت في عهد الحضارة الوهرانية علاقة بين مناطق شمال أفريقية فقط لتضيف فيما بعد ، في عهد الحضارة القفصية بحيث لن تتجاوز بعض المواقع في جنوب تونس وشرق الجزائر .

3 ـ 2 ـ 6 الحضارة القفصية : ويلي من الناحية الكرونولوجية الحضارة الوهرانية ، الحضارة القفصية . وهذه الحضارة بدورها كان قد أطلق عليها في بداية اكتشافها سنة 1909 بالحضارة والصناعة الجيتولية (Industrie getule ) . لكن التشابه بين أدوات هذه الصناعة وأدوات الأدوار الأولى من العصر الحجري القديم الأعلى في أوروبا وخاصة الحضارة الأوريكنسية (Aurignacien ) ، دفع الباحثين إلى المزيد من التحري والتقصي وإعادة النظر في المكتشفات الأثرية ، قام بها كوبير [20] (Gobert ) وقوفري ( Vaufry )[21] .وقد ألقيا أضواء جديدة على الموضوع وخاصة بعد استخراجهم للأدوات الدقيقة باستعمال الغربال مما يوضح أن الإنسان القفصي كان يستعمل أدوات دقيقة شبيهة بالأدوات الميكروليثية التي تميز العصر الحجري الوسيط (Mesolithique ) . مما دفع بكوبير وقوفري إلى إرجاع هذه الصناعة إلى العصر الحجري الوسيط .إذا أضفنا إلى هذا أن مواقعها سطحية والكثير منها على هيئة تلال مكونة من تكديس الرماد وفضلات الطعام التي تركها الإنسان القفصي والمتكونة أساساً من الحلزون ، مما جعل الباحثين يطلقون عليها الرماديات أو الحلزونيات (Les escargotieres ).
ومن ميزات الحضارة القفصية أنها أقل انتشاراً في المكان والزمان ،إذ لم تتجاوز المناطق الداخلية بتونس ، وخاصة جهتي قفصة وتبسة . كما تمتد إلى شرق الجزائر وخاصة جهة سطيف وقسنطينة ولا تتعدى في الغرب جهة تيارت . ولم يعثر على أي أثر لهذه الحضارة لحد الآن في المغرب والصحراء . لكن يبدو أنه عثر على ما يشبه هذه الصناعة في الواحات المصرية وجنوب مصر وشمال السودان .أما من الناحية الزمنية ، فقد أثبتت التحاليل المخبرية باستعمال الكربون C 14 أن الحضارة القفصية ظهرت بعد الحضارة الوهرانية ولم تعمر إلا مدة قصيرة نسبياً تتراوح ما بين منتصف الألف السابع والألف الرابع قبل الميلاد (6450 ق.م + 400 – 3050 ق.م + 100 )[22].

3 ـ 3 تربية الماشية والزراعة ، كان إلى وقت قريب يربط اكتشاف الزراعة ودخول المغرب العصور التاريخية بقدوم الفينيقيين ؛ إلا أن الأبحاث الأثرية الأخيرة والدراسات المنصبة على هذين الموضوعين أكدت أن ممارسة تربية الماشية والزراعة كان معروفاً لدى سكان شمال أفريقيا ، وربما لدى أبناء الصحراء كذلك ، منذ فترات قديمة.
فهل يمكن تحديد تاريخ ظهور الزراعة في بلدان شمال أفريقيا والصحراء وما هي الدلائل أو المؤشرات التي تدل على وجودها ؟
إن أول صعوبة تعترضنا تتمثل في عدم توفرنا على مادة علمية كافية لمعالجة أصول الزراعة ، هذا فضلاً على أن ما هو متوفر كتبه أغلبه أجانب انطلاقاً من أفكار مسبقة ترتكز على أن كل الإبداعات الحضارية التي عرفتها شمال أفريقيا جاءتها من الخارج . بل وهناك من هؤلاء الباحثين من يرى بما أن الزراعة مرتبطة بالعصر الحجري الحديث ، وبما أننا لا نعرف جيداً متى بدأ هذه العصر ومتى انتهى [23] فإن هذا يطرح صعوبات كبيرة في التعرف على أصول الزراعة فيها [24] ويذهب كامبس (Camps ) بعيداً إلى حد أنه يذكر بما أن ممارسة الزراعة تعتبر من أهم سمات العصر الحجري الحديث التي همت الشرق الأدنى وأوروبا فإنه لا يمكن الأخذ من معرفة منطقة شمال أفريقيا [25]. هذه بعض أمثلة من مواقف الباحثين الأجانب من معرفة منطقة شمال أفريقيا بالزراعة ، فهل يمكن اعتبارها أحكاماً نهائياً ؟ وكيف يعقل أن تعرف جهة في شمال أفريقيا ، وهي مصر ، الزراعة ولا تعرفها جهات قريبة من نفس المنطقة؟
لذلك لفتح المزيد من الآفاق حول هذا الموضوع يبدو أنه من الأفضل العودة إلى دراسة بعض المستخرجات الأثرية التي تم العثور عليها في بعض المواقع التي يبدو أن لها علاقة بالعصر الحجري الحديث وبإرهاصات الزراعة . من هذه المستخرجات مستخرجات مواقع الحضارة الوهرانية والحضارة القفصية والريف الشرقي .

ففيما يتعلق بالحضارة الوهرانية فقد تم العثور على الكرات الحجرية المثقوبة (Les boules de pierre perforees ) الصغيرة الحجم التي تستعمل كثقالة (poids ) للعصا الحفارة (Le baton a Fouir ) في موقعين وهرانيين بالجزائر تمراحت ورأس سيكيلي [26]. ويتحدث كامبس عن هذه الأداة قائلاً :" إن هذه الأداة جد معروفة بأفريقيا وخصوصاً عند شعب البوشمن وأيضاً بإثيوبيا وأنها تستعمل لغرض تهيئة الأرض وتنعيمها لدى الذين يزاولون زراعة فقيرة [27].
أما بالنسبة للحضارة القفصية ، فقد عثر في بعض طبقاتها الأثرية على نوع من المناجل (Les faucilles ) والكرات الحجرية المثقوبة (Les boules de pierre perfor – ees ) والمدقات (Les molettes ) وأداة الحصاد ( le lustre des moissons )[28].ومع كل هذا ، فإن كامبس يتحفظ بخصوص الأدوات القفصية التي يبدو أن لها علاقة بالزراعة ويؤكد على عدم وجود زراعة لدى القفصيين [29]، مشيراً في نفس الوقت إلى أن أول أداة يمكن ربطها بالزراعة هي الشفرة (La lame ) ، والتي عادة ما تعرف بأداة الحصاد (le lustre des moissons )، والتي استخرجت من بعض الطبقات الأثرية القفصية . ومع ذلك فإن كامبس ، ورغم تأكيده بارتباط أداة الحصاد هذه بالزراعة إلا أنه يقول بأنه لا يجب الاعتقاد بأن أداة الحصاد هذه قد استعملت في الزراعة . بل يمكن أن يكون قد استخدمت في قطع سيقان نباتات غير صالحة للأكل ، ولكن لها منافع كثيرة ، كالقصب الذي كان يستعمل كثيراً في صنع الفخاخ [30].
وكأني بكامبس يعمل ما في وسعه من أجل نفي وجود أي إسهام حضاري لأبناء هذه المنطقة ، رغم وجود بعض المؤشرات الموحية بذلك .فوجود الأدوات الزراعية في بعض المواقع الأثرية هي ليست دليلاً كافياً ، في نظر كامبس ، بل يمكن اعتبارها محاولة التوجه نحو زراعية فعلية . وبما أن التحديد الزمني لرماديات الحضارة القفصية تتزامن والعصر الحجري الحديث في البحر الأبيض المتوسط ، فإن كامبس ، يرجح أن القفصيين يمكن أن يكونوا قد مارسوا القطف بطريقة انتقائية مكنتهم من حفظ ما جمعوه . ويمكن اعتبار هذه العملية ، حسب كامبس دائماً ، أو خطوة نحو زراعة حقيقية [31] .
والجدير بالإشارة هنا ، أن الباحث ريكاس تحدث عن نوع من المعاول (Pics ) عثر عليها جنوب قسنطينة بالجزائر ، أطلق عليها اسم المحروكاتي [32] الذي يظهر أن له ارتباط وثيق بالزراعة ، هو نوع من المعاول الصوانية المنحوتة وغير المصقولة . ويفترض ريكاس أن هذه الصناعة ذات أصول أفريقية وأن تأثيرها وصل إلى أوربا بطرق يجهلها . وقد وجدت هذه الأداة الزراعية أيضاً في جهة الحوز مما جعل الباحث رودريك (Rodrigue ) يرجح أن هذه الأداة استعملت كأداة للحرث؛وهذا يعني قيام الزراعة بالمغرب قبل ظهور المحراث [33] .

ومن المؤشرات الأخرى التي تميل كفة معروفة إنسان العصر الحجري الحديث في شمال أفريقيا للزراعة وممارسته لها ، هو ما استخرجته البعثة الأثرية العلمية المغربية الألمانية التي نقبت في شرق جبال الريف بالمغرب وأقامت معرضاً لمستخرجاتها الأثرية بالمتحف الأثري بالرباط من 6 يونيو 1988 أثبتت من خلاله ظهور الفلاحين الأوائل بهذه الجهة منذ حوالي 9000 سنة بجانب مربي الماشية والصناع الأوائل للفخار . وفي حوار مع الباحثين المغاربة المشاركين في هذه البعثة العلمية أشار إلى عثوره على حيوان يبدو أنه مستأنس في موقع إيفري الباورد قرب قرية صاكة بإقليم الناظور.
وإذا أضفنا إلى هذه المؤشرات الواضحة ، النقوش والرسوم الصخرية الموجودة في جبال الأطلس وجنوب المغرب والجزائر وليبيا ، وفي الصحراء الكبرى ؛ التي تجسد مشاهد من أنشطة سكان هذه المناطق ومن ضمنها نقوش خاصة بعملية الحرث أشهرها نقش غريب ايكيس الذي درسه مالوم (Malhomme ) ونشره في مجلة " ليبيكا " سنة 1953[34] .

ويبدو أن الصحراء عرفت الزراعة منذ فترات قديمة ، ومما يؤكد ذلك ، العثور على غبار الطلع في موقعي منيات وأمكني بالصحراء الجزائرية . وقد تم التحديد التاريخي لزمن بعض الأدوات الحجرية بغبار الطلع لبعض المزروعات في موقع منيات بـ 3450 ق.م . أما موقع أمكني فقد تم العثور فيه على الفخار وقطعتي رحى وعشر مدقات (Molettes ) بجانب غبار الطلع. وهذا ما جعل كامبس يغير موقفه ويؤيد إمكانية ممارسة الزراعة في أمكني بالألف الثامن ق.م[35].
وعليه ، يبدو من خلال ما تقدم ، أن الزراعة عرفتها المناطق الصحراوية ومناطق شمال أفريقيا في وقت متقارب تقريباً نظراً لعثور الباحثين على بعض الأدوات الزراعية في هذه المناطق كلها ، مما يؤكد تشابه التطور في كل من الصحراء وشمال أفريقيا . وهذا يعني وجود عناصر ثقافية مشتركة بين الصحراء وشمال أفريقيا.
ومع ذلك ، فإن هذه الافتراضات ليست نهائية ؛ أن تسمح الدراسات والأبحاث الأثرية الجارية حول هذا الموضوع في عدد من الجهات في شمال أفريقيا والصحراء على كشف النقاب عن حقبة مهمة من حقب تاريخ العلاقات بين شمال أفريقيا والصحراء.
من خلال النماذج المقدمة يتضح أن الصحراء وشمال أفريقيا كانت تربطهما علاقات مسترسلة طيلة عصور ما قبل التاريخ ، تساير الظروف المناخية والتغيرات التي تعرفها ، مما جعل الإنتاج الحضاري في المنطقتين يكون متشابهاً فيغالب الأحيان سواء كان مصدره الصحراء أو شمال أفريقيا.
Read More | علق على هذا الموضوع

Recent Post

 
Copyleft © 2011. آفر برس . All lefts Reserved.
Company Info | Contact Us | Privacy policy | Term of use | Widget | Advertise with Us | Site map
Template modify by Creating Website