Test Footer

مرئيات
Home » , » قراءة في كتاب "مجمل تاريخ المغرب" 1/2

قراءة في كتاب "مجمل تاريخ المغرب" 1/2

Written By آفر برس on السبت، 18 ديسمبر 2010 | السبت, ديسمبر 18, 2010

- 1 بين قرطاج وروما:
يعتبر الأستاذ عبدالله العروي من أعمدة الفكر المغربي، فهو المفكر السياسي والفيلسوف والمفكر الأسلامي والأديب والمؤرخ. إلا أن ما يهمني هنا هو المؤرخ على ضوء كتابه "مجمل تاريخ المغرب".

يموقع الكتاب فصوله بين ما سماه عهد التبعية إلى نصف القرن الثامن الميلادي، الذي اعتبره عهد الاستقلال وانتهاء عهد التبعية. والمقصود بالمغرب هو المغرب الكبير أو شمال افريقيا غرب مصر. ولا يخفى على القارئ أن هذه الرقعة كانت أرض الأمازيغ. والمغاربة هم سكان المغرب الذين طبعوا تاريخ هذه المنطقة. اذ أقصى المؤلف مصطلح أرض البربرلأنه مشحون "بدلالة سياسية إن لم تكن عرقية"، غير أن هذا لا يغير حقيقة أن الأمازيغ هم السكان الأصليون للمغرب المعروف منذ فجر التاريخ. وهذا ما يحيلنا على قضية اسم الليبيين.  فالمؤرخين ينفرون من تعويضه باسم البربر أو الأمازيغ، حتى تولد انطباع أن هناك اختلاف بين الليبيين القدماء والأمازيغ، علما أن المقصود بالليبيين هم أجداد الأمازيغ المتواجدين بين مصر القديمة والمحيط الأطلسي، وبين البحر الأبيض المتوسط وأرض الأيثيوبيين جنوبا، ولربما يحسب بعض الأثيوبيين (الأفارقة الأصليين دون الليبيين) على الأمازيغ.


تغافل الكتاب في محاولته التطرق لقضايا شائكة عن جانب مهم من تاريخ الأمازيغ أو المغاربة كما يسميهم، حينما أغفل عن المعطيات الفرعونية والسجلات الصحراوية، لأنني اعتقد أنه يصعب فهم تاريخ الأمازيغ دون العودة إلى رسومات الصحراء الكبرى، وسجلات مصر الفرعونية.

نطاقات المغرب القديم:
يستاء المؤلف من النظرة النمطية في تأريخ الغرب للمغرب، لأنها تسقط حقب أوروبا على المغرب، فالغرب يقسم نطاقات تاريخه إلى ثلاث: قديم ينتهي بالفتوحات الجرمانية، ووسيط تحده النهضة وحديث معاصر، أما المغاربة فيماثلون تلك الحقب بالفتح الأسلامي، ثم الفتح العثماني ثم الغزو الفرنسي على التوالي، أما الأجانب فيقسمون نطاقاته إلى عهد روما، وعهد العرب ثم عهد فرنسا تباعا. والمؤلف يشبه هذا التقسيم بالجنة والخطيئة والغفران (قصة آدم)، ويدعو لتجاهله. ويقترح التأريخ للسيرورة التاريخية في ظل غياب البديل.

هذا ما يتعلق بالنطاقات الزمنية، أما التقسيم المكاني فيتجلى في مغرب صحراوي مطبوع بالبداوة، ناقش المؤلف خلاله علاقة الصحراء بالمغرب وعن علاقة المغاربة بالأثيوبيين (السود)، وهو المغرب الحر الخارج عن سيطرة الأجانب، لكنها حرية تعني الخروج من (كتب) التاريخ، وذلك تحت ضغط المحتل مقهورين لا مختارين.

أما النطاق الثاني فهو مغرب الوسط وهو نطاق المغرب المستقل قبل دخول روما المعترك واخضاعها له. فهو إذن النطاق الجغرافي الكائن بين مغرب قرطاج البونية والصحراء. في حين يسمي الكاتب النطاق الثالث بالمغرب المفتوح الخاضع، وهو النطاق الذي احتفظت به روما ثم ورثه الوندال ثم البيزنطيون ثم العرب.
غير أن الملاحظ في هذا المشهد هو غياب النفوذ البوني وسيطرتها على المغرب خلال هذا التقسيم. فأقدم خضوع للمغرب هو خضوعه لقرطاج البونيقية، غير أنه خضوع مبهم، خضوع رآه الغرب على أنه علاقة السيد بالمسود، تعتمد فيه قرطاج على جيش من العبيد المغاربة الذين لا دور لهم سوى خدمة أسيادهم الفينيقيين. وتمتد هذه النظرة في روايات الغرب إلى اعتبار المغرب عالة على حضارة قرطاج التي علمتهم الزراعة والتعدين والكتابة والمدنية. وقد تطرق المؤلف لهذه النظرة منبها لانسياق المغاربة وراء هذه النمطية حيث يذكر أن الحضارة "البربرية" كانت تنسب للفينيقيين، غير أن هذه "العادة السيئة" بدأت تتوارى مع تقدم البحوث حتى علق ستيفان غزيل كاتبا أن المغاربة لم ينتظروا قدوم البحارة السوريين (أصل الفينيقيين) لتعلم الزراعة وتدجين المواشي. غير أنه تساءل -غزيل- هل توصلوا لذلك بأنفسهم أو بتأثير أجنبي؟ "هذا ما نجهله".
والأجنبي الذي ربط علاقات مع أجداد الأمازيغ هم شعوب البحر حيث تزعم الليبو هجوما قويا بتحالف معها على مصر الفرعونية، إلا أنه فشل في أهدافه، ويتحدث المصريون عن اجداد الأمازيغ عن اغتنام مئات الآلاف من المواشي وذهب القائد والسيوف الطويلة التي يبدو أنها ادهشت المصريين. غير أنه يقال أن زعامة الأمازيغ لهذا الحلف نسب للمعرفة الجغرافية، أما سيوفهم فاعتبرت مستوردة من شعوب البحر، أما المصريون فاعتبروا الهجوم لجوء اقتصاديا هربا من القحط والجفاف، وهو ما يتنافى مع الأعداد الضخمة من المواشي المغتنمة حسب المصريين. ومهما كانت النتيجة، لم يتمكن المصريون من إيقاف الزحف الليبي (الأمازيغي)، وتمكنهم -الأمازيغ- من اعتلاء العرش الفرعوني بطرق سلمية. وهنا لا يفوتتا التذكير أن الاعتماد على مصادر أحادية -مصرية في هذه الحالة- يؤدي لاستنتاجات غير آمنة، فالسجلات المصرية التي تتحدث عن انتصارات مدوية قد تخفي هزائم مدوية وهو ما حصل في معركة قادش ضد الحيثيثيين الذين انتصروا على رمسيس الثاني، الذي عاد أدراجه لمصر ليخلد انتصارات زائفة.

فعن المعادن يذكر الأستاذ عبدالله العروي أنه يُعترف اليوم بأن "البربر" استعملوا منذ زمن بعيد قبل وصول الفينيقيين آلات حجرية صقيلة ونحاسية لكنهم رأوا أنهم أخذوها عن تجار أو غزاة. وبالرغم من اكتشاف رسومات ضخرية لعربات تسبق الوجود الفينيقي ب"آلاف" السنين، وهو ما يستوجب استخدام المعادن، إلا أن رأي المؤرخين الاستعماريين لم يتغير.

أما المؤرخ المغاربي فاعتبر أن المغرب مجال تجاذب بين الغرب والشرق ينتفي فيه الوجود الفاعل للأمازيغ، فاختار الشرق البونيقي خاصة أهل تونس، ففيما يرى غابرييل كامس أن نفوذ قرطاج خارج المركز كان شكليا اعتبر الحبيب بولعراس أنه تصريح مشكوك فيه وأن نفوذى البونيين كان قويا في محيطها، قبل أن بتطرق لتبرئة قرطاج من طقوس تقديم الأطفال كقرابين. أما التابعون لهذه النظرة فيتحسرون على زوال قرطاج، ويعتبرون ماسينيسا خائنا لأسياده الفينيقيين، وأصحاب هذه النظرة السلبية تجاه تاريخ الأمازيغ هم مستعربون يؤمنون بأن البونيقيين كانوا عربا وبالتالي تنصيب أنفسهم ورثة لحضارتها.

وفيما يُشكل المؤرخ الفرنسي 'الاستعماري' هاجس المؤَلف خلال تغطيته لتطور المغرب خلال 'عهد التبعية'، تورع المؤلِّف عن الخوض في نظرة المغاربي المستعرب -الذي يشكل أغلبية سكان المغرب- لتاريخ الأمازيغ. فهو ينتقد المؤرخ الفرنسي الذي يقترح أصلا أوروبيا دون أن يتبنى أي نقد للمؤرخ العربي (أو بالأحرى المستعرب) الذي لا يرى في الأمازيغ إلا عربا قدماء. ولعله قد تغاضى عن ذلك لكون المعطى سيكون مشحونا بل مكهربا بحمولة سياسية تعطي للكتاب وجهة اصطدامية لا تأريخية. إلا أن هذا الانتقاء يتنافى ودعوته لإعادة قراءة (كتابة) تاريخ المغرب. فما الفائدة في تقزيم دور روما التي عمرت بالمغرب ما يناهز ستة قرون، في حين يشرع المناخ السياسي والديني تقزيم تاريخ المغرب أمام ما يناهز قرنا من الحروب الطاحنة بين العرب الأمويين (المحتل أو الفاتح الجديد) والخوارج الأمازيغ لينتهي باستقلال سياسي وخضوع روحي. فتطور الكتابة التاريخية، سيبقى معلقا على التطور الفكري للمغاربة، فما دام التاريخ يسخر لأهداف سياسية تسمى مواضيع تخدم وحدة الأمة، أو لطغبان تيار ديني ينزه الفاتحين أو المحتلين المسلمين عن القراءة التاريخية، أو لتيار قومي عربي، ينظر إلى التاريخ كأمجاد على أرض المغرب معتبرا ما لا يروقه نشازا عن الاجماع وخدمة لأهداف غير معلن عنها وائدا أي استعداد للتنازل عن الصورة المروجة عبر قنوات تلفزية أو مدرسية أو ثقافية مسيسة، سيبقى التاريخ دردشة ثقافية انتقائية منغلقة ومنعزلة في أجواء اقليمية، تعزف عن مجاراة أساليب البحث وأدواته العصرية في تنافر بين التأريخ كعلم يصبو للتجرد، وبين تاريخ فرض عليه أن يكونا خادما لأهداف ذاتية وقطرية.
 
Copyleft © 2011. آفر برس . All lefts Reserved.
Company Info | Contact Us | Privacy policy | Term of use | Widget | Advertise with Us | Site map
Template modify by Creating Website