رشيد الحاحي-هسبريس
أثارت الحلقة الأخيرة من برنامج مباشرة معكم، والتي خصصت لموضوع مكانة الأمازيغية في الإصلاح الدستوري، استياءا ملحوظا في صفوف العديد من المشاهدين الذين تابعوا مجريات النقاش الذي دار بين ممثلين عن التيار المتمسك بخيار العروبة كمؤطر لأي حديث عن دسترة اللغات في المغرب، وممثلين عن التيار
الأمازيغي الذي يدعو الى دسترة الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية في الدستور المرتقب. لكن الشئ الذي أثار ملاحظات وانتقادات العديد من المتتبعين الذين التقيناهم ليس هو موضوع الحلقة ومضمون النقاش في حد ذاته، بل أساسا الطريقة التي تم بها تناول هذا السؤال الشائك، وما صاحب ذلك من تشنج وغياب الانصات المتبادل، وعدم احترام قواعد الحوار الهادئ الذي يتطلبه الخوض في مثل هذا النقاش خصوصا في ضرفية سياسية تقتضى أعلى درجات العقلنة والنضج الفكري في تدبير الاختلافات وتوضيح الرؤى وتقريب وجهات النظر، بما يساهم في تخطى مختلف العوائق الذاتية والموضوعية التي تحول دون حصول التقدم المطلوب في نقاش استغرق نصيبا أوفر من الزمن المغربي المهدور.
مساهمة في إضاءة بعض جوانب هذا الموضوع، وفي تبديد حس الاستياء والصدع الذي خلفه هذا النقاش التلفزي، أرى من المفيد الإدلاء بالملاحظات الأتية:
- إذا كانت أهداف هذه الحلقة من برنامج "مباشرة معكم" الذي تبثه القناة الثانية قد ترمي إلى خلق حوار بناء حول الموضوع بالشكل الذي سيفضي إلى اقناع المشاهدين بجدوى النقاش وبمضمون مختلف الأفكار والحجج التي سيقدمها كل طرف، ليخلص الجميع إلى تقارب يعزز الإطار المواطنتي للنقاش الدستوري، فإن هذا الإحساس بالذات هو الذي كان ضحية الشكل الذي تم به الحوار ومناقشة الموضوع، حتى أن العديد ممن تتبعوا الحلقة استاؤوا بعد أن رسخت لديهم مجريات الحوار المتشنج وجود صراع فعلي بين اللغتين العربية والأمازيغية في المغرب، بالشكل الذي يوهم بأن الأمر يتعلق بصراع قوميات، أو بنقاش يستعصي عن التناول الهادئ والخلاق المؤطر بالنزوع المواطنتي الكفيل بتشييد المستقبل المغربي.
- ترتيب هذه الحلقة الحوارية على شكل قطبين متعارضين زاد من حظوظ التشنج في مناقشة الموضوع. فالطرف الأول ضم ممثل حزب الاستقلال الذي كانت مذكرة اقتراحاته الدستورية بخصوص الأمازيغية جد متأخرة عن مقترحات العديد من الأحزاب الأخرى، وعن روح سياق التغيير السياسي الذي يعيشه المغرب في هذه اللحظة التاريخية التي تطمح فيها كافة مكوناته السياسية والمدنية الى صياغة تعاقد اجتماعي جديد على أساس ضمانات تقطع مع الماضي وتؤسس للمسقبل المشترك ومغرب المواطنة الحقة الذي يتسع لكافة أبنائه. ثم رئيس جمعية الدفاع عن اللغة العربية التي خاضت على امتداد الشهور الأخيرة صراعا كبيرا ضد طواحين الهواء بعد أن خلقت لهذه اللغة أعداء وهميين مما أساء إليها، بدل من فتح نقاش حقيقي حول امكانيات تحديثها وتأهيلها لمسايرة تحديات العصر. والطرف الثاني ضم ممثل حزب الحركة الشعبية الذي نصت مذكرته على دسترة الأمازيغية لغة رسمية، وباحثين أمازيغيين معروفين بدفاعهم الحقوقي والعلمي عن دسترة الأمازيغية لغة رسمية في دستور المغرب المنشود. فهذا التقابل أقحم الحلقة والنقاش الذي عرفته، وربما قبل بدايتها على أساس أن مواقف الطرفين كانت معروفة ومحسومة، في قوقعة ردود الفعل التي يغديها صراع ايديولوجي وسياسي بكل خلفيات الماضي والصراع حول السلطة، وذلك في غياب الرأي "الميسر" أوالطرف"البرئ" الذي من شأنه أن يجعل النقاش أنيا ومباشرا ليس في بثه فقط بل وفي استعداداته وأحكامه ومجرياته ونتائجه.
- جدوى النقاش حول موضوع اللغات في المغرب في سياق مشروع تغيير الدستور والحراك السياسي الذي أطلقته حركة 20 فبراير في هذه اللحظة التاريخية من حياة بلادنا، وخاصة في برنامج إعلامي وبحضور باحثين من مجالات وحساسيات معنية بصلب الموضوع، تتمثل أساسا في الارتقاء بشكل ومضمون الحوار من اطار نقاش العموميات والمنزلق الشعبوي المولد للتشنج والمعمق للتصدع، الى صعيد الحوار الفكري والسياسي الرصين القادر على إقناع المشاهدين المغاربة أنهم أمام نقاش حقيقي يهم مستقبلهم ومستقبل بلادهم، ويندرج بشكل فعلي وبناء في صلب مطلب التغيير والبناء الديمقراطي الشامل والمنشود. وهذا ما لم يحققه النقاش الصاخب الذي دار في الحلقة ، حتى تبدى لبعض المتتبعين أن مجريات هذا النقاش لا تعدو امتدادا لصراعات مفتعلة أو جانبية لا يدركون حقيقتها ولا صدقها.
- لا يتعلق الأمر بموضوع صراعي ولا بنقاش تافه أو حوار زائف، بل كان المطلوب أن يحاط بما يكفي من الهدوء والمحاججة الرصينة، دون اقحام اللغة العربية في وضعية سجال مغلوط وكأنها تعيش "صراع وجود" في علاقتها مع اللغة الأمازيغية التي تتقاسم معها مجالا سوسيو لسانيا لا يستعصي عن التدبير اللغوي العلمي والديمقراطي. ولعل العديد ممن تابعوا حلقة البرنامج أحسوا بأن الكيفية التي تم بها الدفاع عن اللغة العربية أساءت الى هذه اللغة وإلى الاطار الممثل للمدافعين عنها بهذا الشكل الاعقلاني، كما أساءت إلى نظرتهم الى الأمازيغية، ومن خلالها الى المشترك العام المغربي الذي من المفروض أن تشكل المواطنة الحقة أرضية تدبيره الاختلافي والديمقراطي المثمر.
أثارت الحلقة الأخيرة من برنامج مباشرة معكم، والتي خصصت لموضوع مكانة الأمازيغية في الإصلاح الدستوري، استياءا ملحوظا في صفوف العديد من المشاهدين الذين تابعوا مجريات النقاش الذي دار بين ممثلين عن التيار المتمسك بخيار العروبة كمؤطر لأي حديث عن دسترة اللغات في المغرب، وممثلين عن التيار
الأمازيغي الذي يدعو الى دسترة الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية في الدستور المرتقب. لكن الشئ الذي أثار ملاحظات وانتقادات العديد من المتتبعين الذين التقيناهم ليس هو موضوع الحلقة ومضمون النقاش في حد ذاته، بل أساسا الطريقة التي تم بها تناول هذا السؤال الشائك، وما صاحب ذلك من تشنج وغياب الانصات المتبادل، وعدم احترام قواعد الحوار الهادئ الذي يتطلبه الخوض في مثل هذا النقاش خصوصا في ضرفية سياسية تقتضى أعلى درجات العقلنة والنضج الفكري في تدبير الاختلافات وتوضيح الرؤى وتقريب وجهات النظر، بما يساهم في تخطى مختلف العوائق الذاتية والموضوعية التي تحول دون حصول التقدم المطلوب في نقاش استغرق نصيبا أوفر من الزمن المغربي المهدور.
مساهمة في إضاءة بعض جوانب هذا الموضوع، وفي تبديد حس الاستياء والصدع الذي خلفه هذا النقاش التلفزي، أرى من المفيد الإدلاء بالملاحظات الأتية:
- إذا كانت أهداف هذه الحلقة من برنامج "مباشرة معكم" الذي تبثه القناة الثانية قد ترمي إلى خلق حوار بناء حول الموضوع بالشكل الذي سيفضي إلى اقناع المشاهدين بجدوى النقاش وبمضمون مختلف الأفكار والحجج التي سيقدمها كل طرف، ليخلص الجميع إلى تقارب يعزز الإطار المواطنتي للنقاش الدستوري، فإن هذا الإحساس بالذات هو الذي كان ضحية الشكل الذي تم به الحوار ومناقشة الموضوع، حتى أن العديد ممن تتبعوا الحلقة استاؤوا بعد أن رسخت لديهم مجريات الحوار المتشنج وجود صراع فعلي بين اللغتين العربية والأمازيغية في المغرب، بالشكل الذي يوهم بأن الأمر يتعلق بصراع قوميات، أو بنقاش يستعصي عن التناول الهادئ والخلاق المؤطر بالنزوع المواطنتي الكفيل بتشييد المستقبل المغربي.
- ترتيب هذه الحلقة الحوارية على شكل قطبين متعارضين زاد من حظوظ التشنج في مناقشة الموضوع. فالطرف الأول ضم ممثل حزب الاستقلال الذي كانت مذكرة اقتراحاته الدستورية بخصوص الأمازيغية جد متأخرة عن مقترحات العديد من الأحزاب الأخرى، وعن روح سياق التغيير السياسي الذي يعيشه المغرب في هذه اللحظة التاريخية التي تطمح فيها كافة مكوناته السياسية والمدنية الى صياغة تعاقد اجتماعي جديد على أساس ضمانات تقطع مع الماضي وتؤسس للمسقبل المشترك ومغرب المواطنة الحقة الذي يتسع لكافة أبنائه. ثم رئيس جمعية الدفاع عن اللغة العربية التي خاضت على امتداد الشهور الأخيرة صراعا كبيرا ضد طواحين الهواء بعد أن خلقت لهذه اللغة أعداء وهميين مما أساء إليها، بدل من فتح نقاش حقيقي حول امكانيات تحديثها وتأهيلها لمسايرة تحديات العصر. والطرف الثاني ضم ممثل حزب الحركة الشعبية الذي نصت مذكرته على دسترة الأمازيغية لغة رسمية، وباحثين أمازيغيين معروفين بدفاعهم الحقوقي والعلمي عن دسترة الأمازيغية لغة رسمية في دستور المغرب المنشود. فهذا التقابل أقحم الحلقة والنقاش الذي عرفته، وربما قبل بدايتها على أساس أن مواقف الطرفين كانت معروفة ومحسومة، في قوقعة ردود الفعل التي يغديها صراع ايديولوجي وسياسي بكل خلفيات الماضي والصراع حول السلطة، وذلك في غياب الرأي "الميسر" أوالطرف"البرئ" الذي من شأنه أن يجعل النقاش أنيا ومباشرا ليس في بثه فقط بل وفي استعداداته وأحكامه ومجرياته ونتائجه.
- جدوى النقاش حول موضوع اللغات في المغرب في سياق مشروع تغيير الدستور والحراك السياسي الذي أطلقته حركة 20 فبراير في هذه اللحظة التاريخية من حياة بلادنا، وخاصة في برنامج إعلامي وبحضور باحثين من مجالات وحساسيات معنية بصلب الموضوع، تتمثل أساسا في الارتقاء بشكل ومضمون الحوار من اطار نقاش العموميات والمنزلق الشعبوي المولد للتشنج والمعمق للتصدع، الى صعيد الحوار الفكري والسياسي الرصين القادر على إقناع المشاهدين المغاربة أنهم أمام نقاش حقيقي يهم مستقبلهم ومستقبل بلادهم، ويندرج بشكل فعلي وبناء في صلب مطلب التغيير والبناء الديمقراطي الشامل والمنشود. وهذا ما لم يحققه النقاش الصاخب الذي دار في الحلقة ، حتى تبدى لبعض المتتبعين أن مجريات هذا النقاش لا تعدو امتدادا لصراعات مفتعلة أو جانبية لا يدركون حقيقتها ولا صدقها.
- لا يتعلق الأمر بموضوع صراعي ولا بنقاش تافه أو حوار زائف، بل كان المطلوب أن يحاط بما يكفي من الهدوء والمحاججة الرصينة، دون اقحام اللغة العربية في وضعية سجال مغلوط وكأنها تعيش "صراع وجود" في علاقتها مع اللغة الأمازيغية التي تتقاسم معها مجالا سوسيو لسانيا لا يستعصي عن التدبير اللغوي العلمي والديمقراطي. ولعل العديد ممن تابعوا حلقة البرنامج أحسوا بأن الكيفية التي تم بها الدفاع عن اللغة العربية أساءت الى هذه اللغة وإلى الاطار الممثل للمدافعين عنها بهذا الشكل الاعقلاني، كما أساءت إلى نظرتهم الى الأمازيغية، ومن خلالها الى المشترك العام المغربي الذي من المفروض أن تشكل المواطنة الحقة أرضية تدبيره الاختلافي والديمقراطي المثمر.