Test Footer

مرئيات
Home » , » الحضارة المصرية الأمازيغية (2)

الحضارة المصرية الأمازيغية (2)

Written By آفر برس on السبت، 12 فبراير 2011 | السبت, فبراير 12, 2011

سعيد بودبوز
من خلال الجزء الأول من هذا البحث توقفنا عند الاسم الهيروغليفي" حاتيوعا" الذي قلنا أنه كان يطلق على أمازيغ التحنو كما كان يطلق على الأمراء المصريين القدامى أيضا، وقلنا بأن ذلك قد يكون له علاقة بحكم أمازيغ التحنو لمصر ما قبل الأسرات. والآن سنواصل الحديث عن أمازيغ التحنو وعن طبيعة تواجدهم في أرض النيل من خلال ما تعكسه النقوش والآثار والرسوم الفرعونية التي تركت هناك بكثرة. فبعد أن خلص إلى أن اسم "حاتيوعا" كان يطلق على أمازيغ التحنو مستشهدا بما جاء به "جاردنر" [1] يقول محمد بيومي مهران: "وبذا فإن "تحنو" اسم منطقة جغرافية وليس اسما لقوم، هذا وقد ذكرت بلاد تحنو كذلك
على أثر من عهد الملك منحوتب (نب حتب رع) من الأسرة الحادية عشرة، إلى جانب قومي النوبيين والأسيويين، كما جاء ذكرهم في قصة "سنوهى" بأنهم الذين يسكنون بلاد تحنو" [2] حتى وإن كان اسم التحنو يطلق على منطقة جغرافية فلا مانع من أن يطلق، بعد ذلك أو قبله، على سكان هذه المنطقة، فهذا شيء طبيعي. ويرى أحمد فخري أن كلمة تحنو قد استعملت منذ الأسرة الثانية عشرة للسكان كذلك، وذلك حين فقدت كلمة "تحنو" معناها الأصلي. [3] وعلى كل حال فمن الواضح أن اسم "التحنو"، في اللغة المصرية القديمة، كان يطلق على أمازيغ الشرق (ليبيا) أو جزء من هؤلاء على الأقل، وبالتحديد الذين يفترض أنهم هاجروا إلى أرض النيل منذ القدم. وأما موقع أرض تحنو، فكانت تقع-دون شك-إلى الغرب من مصر، ذلك لأنها تذكر دائما عندما تذكر أسماء البلاد التي تقع غربي مصر، كما أنها تذكر بموقعها الغربي عند الحديث عن جيران مصر، هذا إلى أن نقوش "ساحورع" قد ذكرت لنا بلاد تحنو T Jehnu-Thny بأنها غربي مصر [4] ومن المعلوم أن المقصود بكونها غربي مصر لا يعني خلف الحدود الحالية، على سيبل المثال، بل إن امتداد أرض "التحنو" كان يشمل أراضي اعتبرت فيما بعد بأنها مصرية كما سنرى لاحقا. ما دام الاسم كان يطلق على منطقة جغرافية (حتى وإن لم يكن من المستبعد أن يطلق على سكان هذه المنطقة كما أشرت أعلاه) فمن الجدير أن نتابع التنقيب عن هذه المنطقة، كما جاءت عند المؤرخين وكما كانت عند الفراعنة، لكي نقترب أكثر من فهم علاقة الأمازيغ بأرض النيل. يقول محمد بيومي مهران عن أرض التحنو "ويحددها لنا "هولشر" بطريقة أكثر دقة، فيرى أن هذا الاسم كان يطلق غالبا على المكان الذي يستخرج منه النطرون الذي كان يستعمل في مصر لتحضير طلاء أشكال الخزف والزجاج، ولكن هذه البقعة ليس فيها من الخيرات، ما يصلح لسكنى عدد كبير من الناس، وكذلك يلاحظ أن تصوير الأشجار ضمن الغنائم –كما في لوحتي العقرب ونعرمر- يوحي إلينا بأن أرض تحنو لا تشمل بلادا صحراوية فحسب، بل تشمل كذلك بقاعا خصبة في غربي وادي النيل، ومن هنا يتجه الإنسان إلى التفكير في واحة قد تكون واحة الفيوم"[5] إذا سلمنا بهذا التفسير فهو يعني أن الأمازيغ (التحنو) كانوا يعيشون داخل الأراضي التي أصبح جزء منها فيما بعد مصريا. يعني أنهم كانوا من المكونات الأساسية للشعب المصري القديم. ويذكر هولشر-أن "بسنج" قد أكد ذلك إذ شاهد في نقش من عهد منحوتب وفيه يعلق أحد رؤساء صور سمك في حزامه، ومن هنا استنتج أن الفيوم هي موطنه، كما أن الإله "سبك" (التمساح) منذ القدم كان يقدس في الفيوم، كما أننا نرى "سبك" في نص يرجع إلى عهد طهراقا يمثل بلاد تحنو، (كما كان الإله "ددون"يمثل النوبة، و"سبد" يمثل بلاد آسيا، و"حور" يمثل مصر، كما أننا نشاهد سبك يمثل عدة مرات بوصفه سيد بلاد "باش" وهي –طبقا لنصوص ساحورع- جزء من بلاد تحنو كما ذكرته نصوص الأهرام [6]


سأعود إلى كلمة "باش" بعد قليل وما أود قوله الآن هو: إذا سلمنا بما يقوله المؤرخون، المذكورون بأن الفيوم أيضا كانت تقع ضمن بلاد أمازيغ التحنو، فبكل بساطة واختصار يصبح من الطبيعي، ومنطقيا أن نتحدث عن دورهم الأساسي في تأسيس الحضارة المصرية. لأن القول بأن الفيوم كانت أرضا أمازيغية يعني أن الأمازيغ كانوا في قلب مصر وليس على التخوم فحسب، وبالتالي فمن غير المعقول أن ننفي دورهم الأساسي في إنشاء الحضارة المصرية القديمة حتى وإن تغاضينا عما يقوله المؤرخون الذين صرحوا بأن المصريين القدماء ينحدرون من أصول أمازيغية (ليبية) أصلا. سأتحدث قليلا عن اسم آخر كان يحيل على الأمازيغ، عند المصريين القدماء، إلى جانب اسم "تحنو" وهو "باش". لقد ورد في نصوص الأهرام "سبك سيد باش" ثم ذكر بعد ذلك مباشرة أهل ("اععوا" العظام جدا الذين في مقدمة "تحنو") كما ذكر في كتاب الموتى بأن "سبك سيد باش" عدة مرات ويذكر هولشر كذلك أن "زيتة" تكلم بإسهاب عن موقع بلاد "باش" بوصفها غربي مصر، ثم يقرر بعد مناقشة طويلة أن بلاد تحنو تقع في إقليم وادي النطرون والفيوم، وأن قوم تحنو قد استوطنوها، خاصة وأنه ليس لدينا ما يناقض ذلك من نقوش الأسرة الخامسة بصفة خاصة [7]. أعتقد، أمام هذه المعطيات، بأنه من الصعب أن نفرق بين المصري والأمازيغي القديمين في أرض النيل. هذا ولا ننسى بأن الدلتا حديثة التكوين- حسب هيرودوت- كما قلنا في الجزء الأول من هذا البحث [8] ولقد قلنا بأن هيرودوت لم يفصح عما إذا كان النازحون إلى أرض الدلتا قد هاجروا من شرق تمازغا (ليبيا) أم جاؤوا من الجنوب (منطقة طيبة) التي افترضنا أنها كانت مأهولة منذ القدم حتى وإن وجدنا بأن كلام هيرودوت في شأن أقدميتها غير دقيق آخذين بعين الاعتبار ما قاله الدكتور أحمد بدوي من أن شهرة طيبة ترجع إلى زمن الثورة على الهكسوس وهو الزمن الذي أشرنا إلى أنه متأخر جدا ولا يصلح أن يدل على أقدميه طيبة أو غيرها. ومن أجل توخي ما أمكن من الدقة لنفرض أن ما يقصد هيرودوت هو أن سكان الدلتا قد جاؤوا من منطقة طيبة وتوجهوا شمالا على ضفاف النيل، وأقول حتى في هذه الحالة نجد احتمال أن يكون الفراعنة من أصول أمازيغية واردا وبقوة. وسوف نتطرق لاحقا إلى الإشارات الدالة على ذلك من خلال حديثنا عن حضارة نقادة مثلا. أود أن أذكر الآن بأن هناك من يعترض على أن تكون أرض الفيوم من ضمن بلاد التحنو (الأمازيغ) في القدم. ويعترض الدكتورأحمد فخري على هذه النظرية، بأن كلا من المكانين-وادي النطرون والفيوم- كان معروفا للمصريين جيدا، وقد وجدت أسماؤها على آثار الأسرتين الرابعة والخامسة، كما أن وادي النطرون مكان فقير يستطيع بالكاد إعالة ما يزيد على ألفين من السكان وفي مستوى معيشي فقير، ومن هنا فإن هذا المكان لا يمكن أن يكون مقرا لهؤلاء القوم الذين كانوا مزعجين للفراعنة باستمرار، أما عن الفيوم فقد كان ينظر إليها منذ بداية التاريخ المصري بوصفها إحدى الأقاليم المصرية، وكانت تسمى البحيرة، ومن هنا فيجب علينا أن نبحث عن مكان آخر، ويرى بعد ذلك أن مريوط وواحة سيوة والبحرية وبرقة هي الأماكن التي يحتمل أنها كانت أرضا للتحنو، ويرى أن تفسير "نيوبري" بأنها بلد الزيتون معقول، ذلك لأن أشجار الزيتون تنمو بكثرة في مريوط والواحات وبرقة، وربما سمى المصريون هذا الإقليم باسم الشجرة الغير مألوفة في مصر، وإن كانوا قد استعملوا زيتها [9]. من الواضح أن كلام فخري مجرد اعتراض يخلو من أية قيمة علمية أو منطقية. وهو على كل حال لا يرتقي إلى دقة الاستدلال الذي وجدناه عند المؤرخين الغربيين مثل هولشر وزيتة الخ. أعتقد أنه لا يستند، في نفي أن تكون الفيوم أرضا أمازيغية، إلى أي أساس إلا قوله بأنها كان ينظر إليها، منذ القدم، بوصفها أرضا مصرية وهذا برأيي لا يتنافى مع كونها كانت تقع ضمن بلاد التحنو (الأمازيغ) لأنها ببساطة أصبحت مصرية منذ القدم. فهل هذا يعني أنه لا يجوز لنا البحث عن الجديد في هذا الملف؟ ولا يجوز أن نتفوه بشيء جديد حتى وإن اكتشفنا بأنه يتناقض مع كثير من المسلمات التي درجنا عليها من قبل؟ إن اعتراض فخري (حسب ما جاء من حجته في كلام محمد بيومي مهران) لا قيمة له بالمرة وليس من المستبعد أن يكون كلاما وجدانيا خارجا عن الأسس العلمية والمقصود منه تكريس الاعتقاد بأن الحضارة المصرية أنشأها نخبة من أبناء النيل دون الاختلاط بأحد. وبمتابعة عناصر التشابه الذي كان قائما بين الأمازيغ والفراعنة القدماء يقول مصطفى كمال عبد العليم: "وإذا اقتربنا من عصر ما قبل الأسرات وعندما كانت المحاولات تبذل لتوحيد مصر بشطريها؛ الوجه البحري والوجه القبلي، لوجدنا لوحة لملك الوجه القبلي الملقب بالعقرب وقد قسمت إلى أربعة صفوف أفقية. وقد ظهرت في الصفوف الثلاثة الأولى صور ثيران وحمير وكباش، وفي الصف الرابع صورة لشجرة يظن أنها من نوع الزيتون، وكتب أمام الشجرة علامة تصويرية تعتبر من أقدم العلامات الكتابية، وتدل على كلمة تحنو " [10]. ولكن إذا لم تكن تعني الكثير هذه الكلمة الدالة على التحنو (الأمازيغ) الواردة هنا فما هي في الواقع إلا جزء قليل من العلامات التي يشير بعضها بقوة إلى الأصل الأمازيغي للفراعنة القدماء كما سنرى لاحقا. أعتقد أن ما ذكره مصطفى كمال عن الملك العقرب هنا قد تحدث عنه المؤرخون الغربيون أيضا ولقد ذكره "جاردنر" كما جاء في حديث محمد بيومي مهران الذي قال: "ويرى جاردنر أن التحنو يظهرون وكأن بينهم وبين المصريين قرابة وثيقة، وقد وضع اسم تحنو على لوحة الملك العقرب بين عدد من الأشجار، ويذكر جاردنر أن نيوبري اعتقد أنها شجر الزيتون، ومما له أهمية في هذا الصدد، أن هناك نوعا من الزيت قد ذكر باسم "حاتت تحنو Hatt-Thnu (أي زيت من الدرجة الأولى)، وقد كتبت هنا كلمة "تحنو"، بنفس الطريقة التي كتبت بها "بلاد تحنو" وقد برهن نيوبري أن شجر الزيتون يعد من الأشجار المتوطنة في الشمال الغربي من أفريقيا" [11] إن تفسير نيوبري لتلك الأشجار بأنها أشجار الزيتون لا يتعارض مع ما تدل عليه الآثار الفرعونية من كون التحنو كانوا داخل مصر وأن الفراعنة الأوائل قد حاربوهم، مع من حاربوا، من أجل توحيد مصر كما أسلفنا، لأن امتداد أرض التحنو إلى الفيوم مثلا لا يلغي أن تكون هناك إشارة إلى موطن يقع خلف التخوم الغربية الحالية لمصر. أعتقد أن هذه النقطة لا بد من الانتباه إليها، خاصة وقد رأينا سالفا بأن أحمد فخري، مثلا، أشار إليها بما قد يعطي للقارئ انطباعا بأن وجود ذكر للتحنو في برقة وغيرها يعني عدم وجودهم في الفيوم أو غيرها، وهذا غير دقيق طبعا. ولقد ذكر بيومي مهران نفسه بأن هناك من يعارض نيوبري في قوله بأن تلك الأشجار هي أشجار الزيتون حيث يقول: وليس هناك من ريب في أن لوحة الملك العقرب هذه- أو لوحة تيحنو- إنما تمثل أقدم إشارة واضحة إلى الليبيين في الآثار المصرية، حيث ظهر في أحد وجهي اللوحة من أسفل أشجار يفترض "نيوبري" أنها أشجار الزيتون ، وإن عارضه في ذلك "كيمر" هذا وقد ميز "زيتة"، إلى جانب الأشجار، العلامة الهيروغليفية الدالة على بلاد التحنو، وهي أرض الليبيين المعروفين باسم "جحنيو" (تحنيو)، وليس الأمر في حاجة إلى كثير من البراعة للقول بأن الماشية عبارة عن غنيمة وأن الأشجار يستخرج منها زيت "جحنيو" الذي له قيمة كبيرة" [12] كان علي أن أذكر بأن "كيمر" مثلا قد عارض "نيوبري" في تفسيره تلك الأشجار وقوله بأنها أشجار الزيتون. فربما هناك من يتصور بأن مادام أقدم ذكر للتحنو (الأمازيغ) في الآثار المصرية مقرونا بأشجار الزيتون فإذن كانوا في منطقة برقة وغيرها كما ذهب أحمد فخري مثلا. وهذا غير دقيق لأن هناك، كما رأينا وسنرى، إشارات أخرى تدل على كونهم متغلغلين في قلب مصر حتى وإن ورد ذكر لهم مع هذه الأشجار، وحتى وإن قلنا بأنها أشجار الزيتون، على سبيل المثال، فما يدل على الوجود الأمازيغي القديم جدا في قلب مصر ليس من السهل أن نطمسه بل من شأنه أن يقودنا، في نهاية الدراسة المعمقة والجادة، إلى نتائج خطيرة على رأسها احتمال أن يكون الأمازيغ هم الحكام الأوائل للدلتا نفسها قبل أن يظهر الفرعون نعرمر (مينا) الذي وحد مصر !. ويرى جاردنر، بعد ذلك، أن ملاحظة نيوبري رغم أنها لم تساعدنا على تحديد موقع بلاد تحنو بالضبط، فإن وجهة نظره بأنها تقع مباشرة في الغرب من الشمال الغربي للدلتا، تتفق مع حقائق أخرى في رأينا، ففي حملة سنوسرت الأول ضد بلاد تحنو، قد أحضر معه أسرى وصفوا بأنهم (هؤلاء الذين هم في أرض تحنو) هذا فضلا عن إحضاره ماشية كان من المستحيل أن تجد ما يلزمها إلا في أرض على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، هذا ولدينا طقوس تربط بلاد تحنو بغرب الدلتا، منها الإله "تحنوى" (أي صاحب تحنو)، فإنه يوجد ضمن آلهة أخرى من آلهة الوجه البحري، ويمكن توحيده بالإله (حور تحنو) الذي ذكر في مناسبات مماثلة ذكرها- فيما يرى جاردنر-"نافيل" في كتابه المسمى "قاعة العمد" كما يذكر جاردنر أن "كيس Kees"قد وحد هذا الإله بإله تحنو صاحب الذراع العالمية، والذي ذكر عدة مرات في عهد الدولة القديمة، وكذلك نجد الآلهة "نايت" صاحبة تحنو قد ذكرت. [13] من هنا نعود إلى الوجود الأمازيغي في منطقة الفيوم وكذلك إلى كلمة "باش" انطلاقا من هذه المعطيات "وعند هذه النقطة يرى "جاردنر" أنه يجب أن نناقش بعض الحقائق التي دعت "زيته" وتبعه فيها "هولشر" إلى أن يقترح بأن الفيوم ربما كانت في الأزمنة القديمة ضمن بلاد تحنو، فقد سجل في مناظر المعبد الجنزري لـ "ساحورع" كلمة "باش" (والمعروف بـ "باخو" Ba h W وهو اسم، على الرغم من أنه أطلق فيما بعد على جبل يعرف بأنه الأفق الشرقي لمصر، كان في الأصل جبلا في الغرب، وكان الإله "باخو" هو الإله "سبك" الذي يمثل في صورة تمساح ولم تكن عبادة "سبك" قاصرة على الفيوم، بل إن قائمة أدفو العظيمة وصفته بأنه إله المقاطعة الرابعة من مصر السفلى وكذلك وصف سبك بأنه ابن الإلهة "نايت"، وقد عبد في المقاطعة الصاوية (نسبة إلى صا الحجر) [14] مع العلم أن الإلهة "نايت" أمازيغية. ويضيف محمد بيومي مهران قائلا: "وكل ما يمكن استنتاجه مما سبق أن "تحنو" تقع في غربي مصر، وأن تحنو الدولة القديمة، وما فيها من آلهة مصر السفلى وما فيها من أسماء مصرية الأصل وملابس رؤسائها التي تتفق تماما مع الملابس المصرية يدل على أن بلادهم كانت تشمتل التخوم الغربية للدلتا، أو كانت تقع على حدودها تماما." [15] إذا قلنا بأن بلاد التحنو(الأمازيغ) كانت تشتمل التخوم الغربية للدلتا أو كانت تقع على حدودها، كخلاصة القول مما توصل إليه المؤرخون المذكورون في هذا الصدد، فهل يصح أن نقارن ذلك بما ورد في تاريخ هيرودوت من أن أرض الدلتا كانت أرضا طميية وأنها بالتالي حديثة التكوين؟ [16]. إذا سلمنا بصحة هذا التساؤل فسيبقى علينا أن نبحث عن الزمن الذي شهد بداية الوجود الأمازيغي في أرض النيل. هل كانوا هناك قبل أن يأتي الفراعنة القدماء من مكانهم الأصلي أم هاجروا شرقا بعد أن أصبحت الدلتا مأهولة؟ إذا كان تواجدهم هناك قبل أن يأتي إليها الفراعنة المصريون فمن المستبعد أن نقول بأنهم لم يحكموا الدلتا قبل الفراعنة لأنه من المستحيل أن يتركوا النيل ويكتفوا بموطنهم على تخوم الدلتا، أما إذا هاجروا إلى هناك بعد أن أصبحت أرض النيل مأهولة فهذا يعني أنه علينا أن نبحث عن الموطن المحدد الذي جاء منه الفراعنة الأوائل بالضبط وهذا لكي نتوصل إلى أدلة يقينية مقنعة على ما إذا كان الفراعنة ينحدرون من أصول أمازيغية أم أنهم جاؤوا من مكان آخر إلى منطقة الدلتا. وإلى حد هذه اللحظة نرى هناك تشابها بين فراعنة ما قبل الأسرات والأمازيغ (التحنو) واضحا في حين لا نكاد نجده بين الفراعنة وغير التحنو، أو على الأقل لا نجده بهذا الوضوح كما رأينا وكما سنرى لاحقا. لنتابع ورود كلمة "التحنو" في عهد مرنبتاح ورعمسيس الثالث على سبيل المثال، ولكي نوضح أكثر بأن التحنو كانوا أمازيغ يتكلمون اللغة الأمازيغية يقول محمد بيومي مهران:"وأما في غزوات مرنبتاح ورعمسيس الثالث، فنلاحظ أن كلمة تحنو، وعبارة قوم تحنو، قد استعملت كلها في الغالب بمعنى تقليدي مبهم، ولكن لما كانت نقوش الكرنك العظيمة التي تركها مرنبتاح تقرر: "أن أمير ليبو قد انقض على أرض التحنو Hast nt Thnu فيمكننا أن نعتبرالتعبير يدل على أن هذا الإقليم مازال هو الملاصق للدلتا مباشرة من جهة الغرب، ومن المحتمل أنهم كانوا دائما يعدون من أصل ليبي، ذو بشرة بيضاء، ويتكلمون لغة بربرية" [17]. من المعلوم أن المقصود بـ(اللغة البربرية) هي اللغة الأمازيغية لأن هذه الشتيمة قد درج عليها الباحثون رغم ما تثيره من الالتباسات. ويقول في شأن التشابه بين الأمازيغ والمصريين القدماء: " وأما عن التشابه بينهم وبين المصريين، فقد كانوا سمرا مثلهم، كما كانوا يختتنون مثلهم كذلك، وكان التحنو يعلقون في ملابسهم ذيولا (الذيل المعلق في الحزام) كالتي كان يعلقها الفراعين، ويحلون جباههم بخصلة من الشعر تحاكي صورة الصل المقدس الذي كان يتحلى به الفرعون ليحميه من شر الأعداء إذا هاجموه، ويذكر الدكتور سليم حسن أن "مولر" يرى أن خصلة الشعر التي تزين الجبهة هذه، توجد كذلك عند الحاميين الذين يسكنون جنوبي مصر، وكذلك عند أهل كريت، هذا فضلا عن أننا نراها حتى في يومنا هذا في شرقي آسيا وقد ظن البعض أن هذه الخصلة هي الصل نفسه، بيد أن من يمعن النظر يجدها خصلة شعر وحسب، وكانوا كذلك يرتدون قرابا يضعون فيها عضو التذكير، وهي التي لبسها مصريو عصر ما قبل التاريخ، وهذه الخصائص كانت تميز التحنو عن الليبيين وعن التمحو كذلك." [18] على ذكر أهل كريت، أود أن أقول بأن هناك صلة أنثروبولوجية بين الإنسان الأمازيغي والإنسان الكريتي، وقد يكون لهذه المسألة علاقة بما أشار إليه الباحث أعلاه من الطقوس أو العادات التي يتشارك فيها الكريتي مع الأمازيغي. وعلى كل حال هذا موضوع خاص لا يتسع المجال الآن للتطرق إليه. لا أعتقد أن الحديث عن التشابه النابع من الصدفة واردا هنا فلا بد من القول بأنه نابع من احتكاك حضاري ثقافي مكثف بين المصري و الأمازيغي القديمين، ومن الواضح، كما ذكرنا سالفا، بأن هناك مؤرخين يعتقدون بأن الفراعنة أنفسهم ينحدرون من أصول ليبية (أمازيغية) ومن أجل إبراز هذه المسألة أكثر للقارئ يتوجب علينا استقراء واستخراج كثير من المعطيات المختلفة والدالة، بشكل صحيح علميا، على أن سكان النيل الأوائل كانوا من أصول ليبية (أمازيغية). وهذا ما سنسعى إليه حتى يكون القارئ أمام هذه المعطيات بحيث يمكنه أن يعيد إنتاجها والمقارنة بين بعضها والبعض الآخر ليتوصل إلى ما توصلنا إليه وما توصل إليه المؤرخون الذين تحدثوا في هذا الموضوع. إذا تركنا الاعتقادات الجاهزة للحظة وعدنا إلى المعطيات الأساسية التي تدل على الصلة القائمة بين المصريين والأمازيغ القدماء نجد مثلا بأن هناك تشابها بين المصريين والأمازيغ القدماء في الأسماء أيضا ويقول محمد بيومي مهران عن أمازيغ التحنو:" بل إنهم كانوا يشبهون المصريين في الأسماء، فمثلا "ونى" و"خوتفس" والأول اسم القائد المعروف في الأسرة السادسة، والثاني (ومعناه: المحمى من والده) اسم كثير التداول بين الأعلام المصرية، يضاف إلى ذلك أن لفظة "تحنو" ترجع إلى أصل مصري بمعنى البراق (وقد تعزى إلى الملابس البراقة التي يلبسها التحنو)، ونفس الكلمة تحنو معناها زجاج أو قاشاني، وقد استعملت لفظة "تحنو" لتدل على الزجاج، كما أن كلمة "صيني" تدل على القشاني المجلوب من الصين أولا"[19] وفي الحقيقة أود أن أترك التشابه اللغوي إلى فصل مخصص لذلك فمن المعلوم أن هناك علاقة كبيرة بين اللغة الأمازيغية والهيروغليفية، أما الآن فأود أن أواصل البحث عن اسم التحنو وعن علاقته بأرض النيل لعلنا نوفر أكثر ما يمكن من المعطيات التي تسمح لنا بالتوصل إلى استنتاجات سليمة من الناحية العلمية. فكما أشرت سالفا كان هناك ذكر للتحنو (الأمازيغ) منذ فجر التاريخ المصري القديم وقد عاد اسم التحنو الهيروغليفي للظهور مرة أخرى على أسطوانة من العاج عثر عليها في مدينة هيراكونيولبيس (الكوم الأحمر شمال أدفو صعيد مصر). وتحمل اسم الملك نعرمر. وقد ظهر الملك في هذه اللوحة وهو يضرب جماعة من الأسرى نقش فوقهم اسم تحنو "[20] مع العلم أن الملك نعرمر هو الفرعون "مينا" الذي أسس الأسرة الأولى في مصر وقام بتوحيدها. وعند هذه النقطة يقول مصطفى كمال عبد العليم: "ونتساءل هل نفهم من هذا الشاهد أن الليبيين كانوا من بين سكان الدلتا الذين كان ينبغي لنعرمر محاربتهم أثناء محاولته توحيد البلاد في مملكة واحدة؟ إذا سلمنا أن ثمة عناصر ليبية قدمت من ليبيا واستقرت في غربي الدلتا فإنه يتحتم علينا أن نرجح أن الليبيين التحنو كانوا بالفعل عنصرا متميزا بين سكان الوجه البحري. ونرى على أثار الملك عجا خليفة الملك نعرمر إشارات كثيرة إلى حروبه مع الليبيين وإلى تشييده بعض المعابد، وبخاصة للربة نيت- حتب وربما كانت هي الأخرى من نفس هذه المدينة وقد تكرر اسم التحنو في نصوص الأسرتين الثانية والثالثة (2778-2723 ق.م) بوصفهم جماعات كان ينبغي على بعض فراعنة هاتين الأسرتين محاربتها والتصدي لوقف هجماتها". [21] إن هذا يعني أن الليبيين (الأمازيغ) كانوا شبه مندمجين في المجتمع المصري أصلا وكان على الفراعنة الأوائل، كما نرى، أن يحاربوهم مع باقي المصريين الانفصاليين (إن جاز التعبير ) من أجل توحيد مصر. وإلا فما علاقتهم بما يحدث داخل مصر من التوحيد والانفصال لو كانوا وراء التخوم الغربية للدلتا وبالتالي لا يعنون الفراعنة الأوائل في شيء؟. أعتقد أن مجرد اكتشافنا لوجود الأمازيغ في أرض الدلتا، منذ تأسيس الأسرة الأولى، يكفي للقول بأنه من الصعب أن نفترض بأنهم لم يشاركوا في إدارة مصر وأنهم بالتالي لم يشاركوا في إنشاء الحضارة المصرية سواء من قريب أو من بعيد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] محمد بيومي مهران، مصر والشرق الأدنى القديم، (المغرب القديم) ج9، طبعة 1990ص 69 وانظر: Gardiner,A. H. Onomastica, I,1974, P.116-117
[2] المرجع السابق، ص 69
[3] المرجع السابق، ص 69. ثم راجع: Fakhry, A. Bahria Oasis, I, 1942 P. 5
[4] المرجع السابق، ص 70
[5] المرجع السابق، ص70، وانظر:A. Lucas, Ancient Egyptien Matterials and Indestries London, 1948, P.106.
[6] المرجع السابق، ص 70 وراجع: K. Sethe, Pyramiden Text, L.456 a
[7] المرجع السابق، ص70-71 وراجع: Holcher, W. Libyer und agypter, P. 21 F.
[8] سعيد بودبوز، الحضارة المصرية الأمازيغية، ج1: http://saidhistory.blogspot.com/2010/07/1.html [9] محمد بيومي مهران، المرجع السابق، ص 71 ثم انظر: Fakhry, A. Op. Cit. P. 5-6.
[10] مصطفى كمال عبد العليم، دراسات في تاريخ ليبيا القديم ،1966. ص11-12 وراجع : G.R.H. Wright Excavation at Tocra Icorporating, Archeological evidence of a community of the Diaspora, Jerusalem (1960). PP. 27, 28,54
[11] محمد بيومي مهران، المرجع السابق ص71
[12] المرجع السابق، ص 102. وانظر: 28- P.E. Newberry, The Tehenu-Olive Land, in Ancient Egypt, 1915. P. 97-98
وكذا: 29 L. Keimer, BIFAO. 31. 1931. P.121 F.
وكذا: 30A. H. Gardiner, Egypto t The Pharaohs, 1961, P. 394.
[13] المرجع السابق، ص 72 ، ثم انظر: E.Naville, Festival Hall, P..7, 20.
[14] المرجع السابق، ص 72
[15] المرجع السابق، ص73
[16هيرودوت يتحدث عن مصر، ترجمة: محمد صقر خفاجة، ط 1966، ص 88-89-90-91.
[17] محمد بيومي مهران، المرجع السابق، ص 73 وانظر: Gardiner, A. H. Onomastica, I, 1974, P.117-119
[18] المرجع السابق، ص 73 وانظر: د. سليم حسن، مصر القديمة ج7 ص26. ثم راجع: Gardiner, A. H. Op. Cit, P. 117
[19] المرجع السابق، ص -7473 وانظر : د. سليم حسن، المرجع السابق ص 28
[20] المرجع السابق، ص 12 وانظر: G. Oliverio, G. Pugliese Carratelli, D.Morelli, Supplemento Epigrafico, Annario Cirenaico, Annario Della Scuola Archeologica di Atena vol. XXXIX-XL Ns. XXIII-XXIV (1961)-(1962) PP.219-375. P.50 N. 95 cf. S.E.G. XVII, 818, S. Applebaum,Zion,XIX, (1954) P.44
[21] مصطفى كمال عبد العليم، المرجع السابق، ص 12 وانظر: J. et G. Roux. « Un décret du Politeuma des juifs de berenike en Cyrénaïque au Musée Lapidaire de carpentras, R.E.G. , LXII, N. 291-293 Année (1949), PP. 281-296 P. 286.
وانظر: G. Caputo, La Sinagoga di Berenice in Cirenaca in una Inscrizione Greca Inedita, La parola del passalo, Fasc. LIII Marzo-Aprile 1957, PP.132-134
وكذا: Procopius, Edif. V, ii, 21, R.G. Goodchild, Boreum of Cyrenaica, J.R.S. XLI (1951) Parts I, II PP. 11-16, idem, Medina Sultan, Libya Antiqua, vol. I (1964) P.101.
تابع الجزء الثالـــــث
 
Copyleft © 2011. آفر برس . All lefts Reserved.
Company Info | Contact Us | Privacy policy | Term of use | Widget | Advertise with Us | Site map
Template modify by Creating Website