ــــ الصورة النموذجية للاستغلال السياسوي قدمها لنا السيد إدريس لشكر، حين استيقظ بعد ردح من الزمن وطالب الناس بالنزول إلى الشارع للمطالبة بما يسميه التأويل الإيجابي للدستور والتنصيص القانوني الجيّد للأمازيغية. ولأنه لا أحد يصدق السيد لشكر وهو في قيادة حزب يعيش أسوأ فتراته بعد أن فقد بوصلته الإيديولوجية وترك نفسه فريسة سهلة لتيار الاستئصال والسلطوية، فإن دعوته لم يولها أحد أدنى اهتمام. فحزب بنجلون وبوعبيد واليوسفي الذي تأسس على الفكرة القومية ونافح عنها غدا اليوم مقاولة سياسية يحاول بعض قادته استغلال ورقة الأمازيغية والركوب عليها لاستعادة دوره في التدبير السياسي وليس بحثا عن الارتباط بعمق الانتماء المجتمعي. إن شرعية الحزب التي أخذها بمواقفه التاريخية وبرجالاته ونضالاته لا يمكن استردادها بخطاب سياسوي يفكر في غاية لا ثالث لها: عرقلة حكومة القطب الهوياتي وإفشال عملية الإصلاح.
ــ الصورة الثانية قدمها لنا حزب الاستقلال من خلال الصراع بين قيادييه بغية الوصول إلى منصب الأمانة العامة. ويكفي مطالعة التجاذب الإعلامي لمعرفة الدرك الذي وصل إليه حزب الزعيم علال الفاسي وقادة الحركة الوطنية. ففي الوقت الذي يفترض أن يتناول النقاش الرؤى السياسية لكل مرشح للأمانة العامة احتراما لأبناء الحزب، سيطر التراشق بين عبد الواحد الفاسي وشباط وحوارييهما حول قضية الأمازيغية. ولأنهما معا يتحدثان بمنطق المزايدة أكثر منه بمنطق الحقيقة والاقتناع، يبدو أن استغلال الورقة لم يأخذ بعين الاعتبار مبادئ الحزب ولا مصلحة الوطن ولا حتى تاريخ الشخص في التعاطي مع القضية. لأن الأمر كله مزايدة سياسية لا غير.
من خلال الصورتين يبدو أن الفاعل السياسي عندنا لم يستطع استيعاب حقيقتين:
1 ــ إن القضايا الهوياتية المتعلقة بوجود الوطن والمجتمع لا ينبغي أن تخضع للمزايدة السياسية والتراشق المذهبي بل من المفروض أن يكون الحوار حولها جزءا من نقاش مجتمعي موسع تشترك فيه كل الأطراف. واستغلال المسائل الخلافية من أجل الوصول إلى منصب معين أو إحراج الخصم السياسي يثبت نوعية القادة السياسيين الذي يسيرون هذا ىالوطن.
2 ــ إذا كان تدخل الفاعل السياسي في الشأن اللغوي أمرا ضروريا لبناء نمط هوياتي موحد وتقديم استراتيجية التنميط والتنشئةُ على نفس القيم دفعاً للتناشز الفئوي المفضي إلى تفكيك الجماعة، كما يتجلى في تدخلات الساسة الغربيين في بناء منظوماتهم اللغوية اعتقادا منهم بالتماهي بين اللغوي والسياسي، فإن المشهد يتغير كثيرا في الحالة المغربية على الخصوص، حيث الضبابية تسود بل والغفلة عن دور اللغة في بناء الأمة. فعندما تقابل أي مسؤول سياسي تحس بمدى الهوة السحيقة بين الحاجات الحضارية للأمة والفهم السياسي الذي يتلخص في تسيير الظرفي بالمتاح واستغلال اللحظة من أجل منصب عرضي. لذا ترى العديد منهم يغير مواقفه تبعا لتغير اللحظات السياسية، والبعض الآخر يدافع عن طروحات كان حتى عهد قريب من أشد أعدائها، وآخرون يساندون توجهات خوفا من أصوات أتباعها....وهكذا دواليك.
إن طريقة تعامل الفاعل السياسي مع قضايا الهوية كما بدا واضحا في خطاباتهم أثناء النقاش الدستوري يثبت العجز عن مسايرة حركية المجتمع وعدم الوعي باللحظة التاريخية. فكفانا من المزايدة بمصير الأمة وهمومها.