Test Footer

مرئيات
Home » » الخلافة: شرط النسب القرشي عند ابن خلدون

الخلافة: شرط النسب القرشي عند ابن خلدون

Written By آفر برس on الاثنين، 17 يناير 2011 | الاثنين, يناير 17, 2011

al-eman.com
وأما النسب القرشي فلإجماع الصحابة يوم السقيفة على ذلك واحتجت قريش على الأنصار لما هموا يومئذ ببيعة سعد بن عبادة وقالوا‏:‏ ‏"‏ منا أمير ومنكم أمير ‏"‏ بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ الأئمة من قريش ‏"‏ وبأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصانا بأن نحسن إلى محسنكم ونتجاوز عن مسيئكم ولو كانت الأمارة فيكم لم تكن الوصية بكم فحجوا الأنصار ورجعوا عن قولهم‏:‏ ‏"‏ منا أمير ومنكم أمير ‏"‏ وعدلوا عما كانوا هموا به من بيعة سعد لذلك‏.‏ وثبت أيضاً في الصحيح‏:‏ ‏"‏ لا يزال هذا الأمر في هذا الحي من قريش وأمثال هذه الأدلة إلا أنة لما ضعف أمر قريش وتلاشت عصبيتهم بما نالهم من الترف والنعيم وبما أنفقتهم الدولة في سائر أقطار الأرض عجزوا بذلك عن حمل الخلافة وتغلبت عليهم الأعاجم وصار الحل والعقد لهم فاشتبه ذلك على كثير من المحققين حتى ذهبوا إلى نفي اشتراط القرشية وعولوا على ظواهر في ذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ اسمعوا وأطيعوا وإن ولي عليكم عبد حبشي ذو زبيبة ‏"‏ وهذا لا تقوم به حجة في ذلك فإنة خرج مخرج التمثيل والفرض للمبالغة في إيجاب السمع والطاعة ومثل قول عمر لو كان سالم مولى حذيفة حياً لوليته ‏"‏ أو ‏"‏ لما دخلتني فيه الظنة ‏"‏ وهو أيضاً لا يفيد ذلك لما علمت أن مذهب الصحابي ليس بحجة وأيضاً فمولى القوم منهم وعصبية الولاء حاصلة لسالم‏.‏ في قريش وهي الفائدة في اشتراط النسب‏.‏ ولما استعظم عمر أمر الخلافة ورأى شروطها كأنها مفقودة في ظنه عدل إلى سالم لتوفر شروط الخلافة عنده فيه حتى من النسب المفيد للعصبية كما نذكر ولم يبق إلا صراحة النسب فرآه غير محتاج إليه إذ الفائدة في النسب إنما هي العصبية وهي حاصلة من الولاء‏.‏ فكان ذلك حرصاً من عمر رضي الله عنه على النظر للمسلمين وتقليد أمرهم لمن لا تلحقه فيه لائمة ولا عليه فيه عهدة‏.‏ ومن القائلين بنفي اشتراط القرشية القاضي أبو بكر الباقلاني لما أدرك عليه عصبية قريش من التلاشي والاضمحلال واستبداد ملوك العجم على الخلفاء فأسقط شرط القرشية وإن كان موافقاً لرأي الخوارج لما رأى عليه حال الخلفاء لعهده‏.‏ وبقي الجمهور على القول باشتراطها وصحة الإمامة للقرشي ولو كان عاجزاً عن القيام بأمور االمسلمين‏.‏ ورد عليهم سقوط شرط الكفاية التي يقوى بها على أمره لأنه إذا ذهبت الشوكة بذهاب العصبية فقد ذهبت الكفاية وإذا وقع الإخلال بشرط الكفاية تطرق ذلك أيضاً إلى العلم والدين وسقط اعتبار شروط هذا المنصب وهو خلاف الإجماع‏.‏ ولنتكلم الآن في حكمة اشتراط النسب ليتحقق به الصواب في هذه المذاهب فنقول‏:‏ أن الأحكام الشرعية كلها لا بد لها من مقاصد وحكم تشتمل عليها وتشرع لأجلها‏.‏ ونحن إذ ا بحثنا عن الحكمة في اشتراط النسب القرشي ومقصد الشارع منه لم يقتصر فيه على التبرك بوصلة النبي صلى الله عليه وسلم كما هو في المشهور وإن كانت تلك الوصلة موجودة والتبرك بها حاصلاً لكن التبرك ليس من المقاصد الشرعية كما علمت فلا بد إذن من المصلحة في اشتراط النسب وهي المقصودة من مشروعيتها‏.‏ وإذا سبرنا وقسمنا لم نجدها إلا اعتبار العصبية التي تكون بها الحماية والمطالبة ويرتفع الخلاف والفرقة بوجودها لصاحب المنصب فتسكن إليه الملة وأهلها وينتظم حبل الألفة فيها‏.‏ وذلك أن قريشاً كانوا عصبة مضر وأصلهم وأهل الغلب منهم وكان لهم على سائر مضر العزة بالكثرة والعصبية والشرف‏.‏ فكان سائر العرب يعترف لهم بذلك ويسكينون لغلبهم فلو جعل الأمر في سواهم لتوقع افتراق الكلمة بمخالفتهم وعدم انقيادهم ولا يقدر غيرهم من قبائل مضر أن يردهم عن الخلاف ولا يحملهم على الكرة فتفترق الجماعة وتختلف الكلمة‏.‏ والشارع محذر من ذلك حريص على اتفاقهم ورفع التنازع والشتات بينهم لتحصل اللحمة والعصبية وتحسن الحماية‏.‏ بخلاف ما إذا كان الأمر في قريش لأنهم قادرون على سوق الناس بعصا الغلب إلى ما يراد منهم فلا يخشى من أحد خلاف عليهم ولا فرقة لأنهم كفيلون حينئذ بدفعها ومنع الناس منها‏.‏ فاشترط نسبهم القرشي في هذا المنصب وهم أهل العصبية القوية ليكون أبلغ في انتظام الملة واتفاق الكلمة وإذا انتظمت كلمتهم انتظمت بانتظامها كلمة مضر أجمع فأذعن لهم سائر العرب وانقادت الأمم سواهم إلى أحكام الملة ووطئت جنودهم قاصية البلاد كما وقع في أيام الفتوحات واستمر بعدها في الدولتين إلى أن اضمحل أمر الخلافة وتلاشت عصبية العرب‏.‏ ويعلم ما كان لقريش من الكثرة والتغلب على بطون مضر من مارس أخبار العرب وسيرهم وتفطن لذلك في أحوالهم‏.‏ وقد ذكر ذلك ابن إسحق في كتاب السير وغيره‏.‏ فإذا ثبت أن اشتراط القرشية إنما هو لدفع التنازع بما كان لهم من العصبية والغلب وعلمنا أن الشارع لا يخص الأحكام بجيل ولا عصر ولا أمة علمنا أن ذلك إنما هو من الكفاية فرددناه إليها وطردنا العلة المشتملة على المقصود من القر شية وهي وجود العصبية فاشترطنا في القائم بأمور المسلمين أن يكون من قوم أولي عصبية قوية غالبة على من معها لعصرها ليستتبعوا من سواهم وتجتمع الكلمة على حسن الحماية‏.‏ ولا يعلم ذلك في الأقطار والآفاق كما كان في القرشية إذ الدعوة الإسلامية التي كانت لهم كانت عامة وعصبية العرب كانت وافية بها فغلبوا سائر الأمم وإنما يخص لهذا العهد كل قطر بمن تكون له فيه العصبية الغالبة‏.‏ وإذا نظرت سر الله في الخلافة لم تعد هذا لأنه سبحانه إنما جعل الخليفة نائباً عنه في القيام بأمور عباده ليحملهم على مصالحهم ويردهم عن مضارهم وهو مخاطب بذلك ولا يخاطب بالأمر إلا من له قدرة عليه‏.‏ ألا ترى ما ذكره الإمام ابن الخطيب في شأن النساء وأنهن في كثير من الأحكام الشرعية جعلن تبعاً للرجال ولم يدخلن في الخطاب بالوضع وإنما دخلن عنده بالقياس وذلك لما لم يكن لهن من الأمر شيء وكان الرجال قوامين عليهن اللهم إلا في العبادات التي كل أحد فيها قائم على نفسه فخطابهن فيها بالوضع لا بالقياس‏.‏ ثم أن الوجود شاهد بذلك فإنه لا يقوم بأمر أمة أو جيل إلا من غلب عليهم‏.‏ وقل أن يكون الأمر الشرعي مخالفاً للأمر الوجودي‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏
 
Copyleft © 2011. آفر برس . All lefts Reserved.
Company Info | Contact Us | Privacy policy | Term of use | Widget | Advertise with Us | Site map
Template modify by Creating Website